كما هو معلوم، أعلن الحزب الديمقراطي التقدّمي عن ترشيح أمينه العام السابق أحمد نجيب الشابي ليخوض الانتخابات الرئاسية لسنة 2009 ليكون بذلك أوّل من يعلن ترشّحه في انتظار أن تسفر المناشدة في الجانب الآخر عن ترشّح ثان. ترشّح الشابي لا يستجيب لشرط الفصل 66 من المجلّة الانتخابيّة الّتي يحيل اليها الفصل 40 من الدستور لأنّ الترشّح يجب أن يقع تقديمه من طرف 30 نائبا في مجلس النواب أو 30 رئيس بلديّة في حين أنّ رصيد الديمقراطي التقدّمي فارغ تماما في هذا و ذاك، كما أنّ جمع العدد المطلوب بالتحالف مع أحزاب أخرى أمر أكثر من المستبعد لأنّ علاقة هذا الحزب بالأحزاب البرلمانية متوتّرة للغاية. هذا المانع القانوني لم يغب عن ذهن الشابي، و هو رجل القانون، اذ أشار إليه في كلمته بعد اختياره:"انّ النظام القانوني الحالي الذي يفرض على المرشح إلى الانتخابات الرئاسيّة أن يحصل على تزكية ثلاثين عضوا من المجالس التي يسيطر عليها الحزب الحاكم لا يفتح مجال المشاركة في هذه الانتخابات الا لمرشّح هذا الحزب وحده. لذلك تلجأ السلطة كلما اقترب الموعد الانتخابي الى تعديل الدستور و السماح للأحزاب الممثّلة بإرادة منها في البرلمان بتقديم مرشّح عنها مغلقة بذلك الباب في وجه الشخصيات الوطنية و أحزاب المعارضة السياسية".
و لم يطرح الشابي رؤيته لكيفيّة تجاوز هذا المانع القانوني، بل أنّه يصرّ على المضيّ قدما في ترشّحه رغم وعيه بوجود هذا المانع، فتمرير الترشّح لا يمكن أن يكون بتطبيق القانون كما هو، بل أنّه يستوجب اذن قانونا استثنائيا على مقاس الشابي في حين أنّ هذا هو نفس ما يؤاخذه على القوانين الدستورية الاستثنائية التي سبقت انتخابات 1999 و 2004 و الّتي سمحت لأحزاب المعارضة البرلمانية بتقديم مرشّحين للانتخابات الرئاسيّة (بتجاوز الاحالة الى المجلّة الانتخابيّة و تعويضها بشرط أقدميّة في حزب برلماني) و هو يستمدّ قدرته على الضغط من المصداقيّة الّتي أضحى يتمتّع بها كـ"معارض أوّل" في الرأي العام الغربي و هو ما تجسّم في حضور عدد كبير من ممثّلي وسائل اعلان سفارات الدّول الغربيّة للندوة الصحفيّة الّتي أقامها التقدّمي للاعلان عن هذا الترشيح( وليس من باب البراءة أن يكون أوّل ما افتتحت به صحيفة الموقف المقال الموشّح لصحفتها الأولى ليوم 15/02/2008 بتعداد من حضر من ممثّلي وسائل الاعلام و السفارات) و لا يمكن أن يؤثر فيه استهجان أحزاب الوي-وي لترشّحه الا بصورة ايجابيّة باكسابه مصداقيّة اضافيّة لكونه النقيض لأحزاب المعارضة الّتي لا تعارض . حسبما يبدو، فانّ الشابي يضع السلطة أمام 3 احتمالات:
الاحتمال الأوّل هو اصدار قانون استثنائي يمنح للأحزاب البرلمانيّة وحدها حقّ تقديم مرشّحين للرئاسة، و في هذه الحالة يقصى الشابي من دخول هذه الانتخابات و في هذه الحلة سيثيرها حملة اعلاميّة شعواء ضدّ السلطة الّتي لا تسعى لادخال نفس ديمقراطي و لا تدعم الا معارضة الديكور و سيتّهمها بعدم النزاهة و الخوف من المواجهة وووو.. و هذا ما سيضع السلطة في مأزق خاصة بعدما أظهر الشابي قدرته الفائقة على كسب تعاطف الرأي العام العالمي في "معركة المقر" الّتي انتهت في النهاية لصالحه.
الاحتمال الثاني هو اصدار قانون استثنائي يسمح لأيّ مسؤول قضّى فترة معيّنة صلب قيادة أيّ حزب، برلمانيّا كان أو غير برلماني، بالترشّح و هذا الاحتمال مستبعد للغاية لأنّه سيكون عمليا اذعانا لمطالب الشابي لا يمكنه أن تقبله السلطة.
الاحتمال الثالث هو عدم اصدار أيّ قانون استثنائي و بذلك يكون الحزب الحاكم هوالحزب الوحيد قانونا القادر على تقديم مرشّح، وبالتالي سيكون هناك مرشّح واحد للانتخابات الرئاسيّة و هو ما سيكون وقعه سيّئا للغاية في الرأي العام العالمي خاصة وأنّه سيأتي بعد موعدين انتخابيين كانت فيهما الانتخابات الرئاسيّة تعدّديّة، الا أنّه يمكن "اقناع" عدد من الأحزاب بالتحالف فيما بينها لتقديم مرشّح وحيد غير أنّ ذلك سيكون لعبة مكشوفة لأنّه لا يوجد، الى حدّ الآن، أحزاب متقاربة لدرجة تكوين تحالف و حتّى ما يعرف باللقاء الديمقراطي (المكون من حزب الوحدة الشعبية و الاتحاد الديمقراطي الوحدوي و الحزب الاجتماعي التحرّري و حزب الخضر للتقدّم) فانّه ،و بغضّ النظر عن كونه لا يشكّل تحالفا بالمعنى الحقيقي للكلمة،لا يملك النصاب القانوني لتقديم مرشّح وفاقي(عدد نواب هذه الأحزاب مجتمعة 20 نائب) الا اذا دخلت حركة الديمقراطيين الاشتراكيين على الخط و انضمّت لهذا اللقاء (أتساءل في هذه الحالة من سيكون المرشّح الّذي سيجمع بين الاشتراكيّة و القوميّة و الليبراليّة و "حب البيئة"!).
كلّ هذه الاحتمالات اذن لا تبدو مرضيّة ، فهل يعني ذلك أنّ السلطة ستجد نفسها في مأزق عويص الحل أمام ترشّح الشابي؟
للاجابة عن هذا السؤال، ينبغي التساؤل عن المقصد من وراء تواجد قاعدة الثلاثين نائبا هذه. انّه يكمن في جعل الترشّح لرئاسة الجمهوريّة ترشّحا جدّيا بمعنى أنّه لا يمكن تمكين أيّ مواطن من الترشّح بصفة آليّة اذا رغب في ذلك لأنّ ذلك سيؤدّي الى ترشيح المئات و ربّما الآلاف بل يجب تقديم ما يفترض أنّ من يريد الترشّح له من الوزن ما يمكّنه من المنافسة الجديّة و هو ما يمكن أن يفترض من وجود عدد من النواب أو رؤساء البلديات يساندون الترشّح في حالة القانون التونسي.
هذه القاعدة منطقيّة و معمول بها في جلّ الأنظمة السياسيّة و لا أعتقد أنّ هناك جدوى حقيقيّة من حذفها أو حتّى استثنائها كما وقع سابقا لأنّ الاستثناءات الّتي تتكرّر في كلّ موعد انتخابي تجعل من القاعدة هباء منثورا، و لكن يمكن في المقابل تليين القاعدة دون مساس بالدستور: فـ 30 نائب عدد كبير تتحقّق الجديّة بأقلّ منه، فيكفي تعديل المجلّة الانتخابيّة لتنصّ على عدد أقلّ من النواب(10 أو 5 مثلا) و يذلك لا تكون هناك حاجة لتعديل الدستور ليكون ترشّح المعارضة "بالمزيّة" (لأنّه من المفروض أنّ الدستور لا يمكن أن يعدّل يشكل متواتر) و في نفس الوقت تتمّ المحافظة على شرط الجديّة و اعلان تعديل المجلّة الانتخابيّة خطوة(دائمة في هذه الحال و ليست استثنائيّة) نحو مزيد الانفتاح و تمكين المعارضة من المساهمة بشكل أكثر فعاليّة. ستكون نتيجة هذا التعديل "غير المباشرة" اقصاء الشابي من خوض الانتخابات و لكن سيكون ذلك بالمحافظة على "روح القانون" بما أنّ حزبه لا يملك حتّى هذه "الجديّة المخفّفة" و لن يمكنه بالتالي الاحتجاج بتعنّت السلطة و رفضها لفتح الطريق أمام المعارضة الحقيقيّة (الّتي يمثّلها هو بالطبع!) و سيتعيّن عليه اثبات جدّية حزبه من خلال الانتخابات البرلمانيّة من خلال كسب مقاعد في مجلس النواب ليتأجلّ ترشّحه الى الرئاسيّة إلى الانتخابات القادمة و هذا ما لا يبدو بديهيّا في ظلّ غياب برنامج واضح أو حتّى ايديولوجيا محدّدة لهذا الحزب الّذي يبدو أنّه أصبح ناديا لكلّ من يريد قول لا و كفى اذ ربمّا يكون فعلا الحزب المعارض الوحيد و لكنّه عاجز الى الآن أن يقدّم البديل، البديل الّذي ربّما لا يمكن أن يوجد داخل أحزاب.
و لم يطرح الشابي رؤيته لكيفيّة تجاوز هذا المانع القانوني، بل أنّه يصرّ على المضيّ قدما في ترشّحه رغم وعيه بوجود هذا المانع، فتمرير الترشّح لا يمكن أن يكون بتطبيق القانون كما هو، بل أنّه يستوجب اذن قانونا استثنائيا على مقاس الشابي في حين أنّ هذا هو نفس ما يؤاخذه على القوانين الدستورية الاستثنائية التي سبقت انتخابات 1999 و 2004 و الّتي سمحت لأحزاب المعارضة البرلمانية بتقديم مرشّحين للانتخابات الرئاسيّة (بتجاوز الاحالة الى المجلّة الانتخابيّة و تعويضها بشرط أقدميّة في حزب برلماني) و هو يستمدّ قدرته على الضغط من المصداقيّة الّتي أضحى يتمتّع بها كـ"معارض أوّل" في الرأي العام الغربي و هو ما تجسّم في حضور عدد كبير من ممثّلي وسائل اعلان سفارات الدّول الغربيّة للندوة الصحفيّة الّتي أقامها التقدّمي للاعلان عن هذا الترشيح( وليس من باب البراءة أن يكون أوّل ما افتتحت به صحيفة الموقف المقال الموشّح لصحفتها الأولى ليوم 15/02/2008 بتعداد من حضر من ممثّلي وسائل الاعلام و السفارات) و لا يمكن أن يؤثر فيه استهجان أحزاب الوي-وي لترشّحه الا بصورة ايجابيّة باكسابه مصداقيّة اضافيّة لكونه النقيض لأحزاب المعارضة الّتي لا تعارض . حسبما يبدو، فانّ الشابي يضع السلطة أمام 3 احتمالات:
الاحتمال الأوّل هو اصدار قانون استثنائي يمنح للأحزاب البرلمانيّة وحدها حقّ تقديم مرشّحين للرئاسة، و في هذه الحالة يقصى الشابي من دخول هذه الانتخابات و في هذه الحلة سيثيرها حملة اعلاميّة شعواء ضدّ السلطة الّتي لا تسعى لادخال نفس ديمقراطي و لا تدعم الا معارضة الديكور و سيتّهمها بعدم النزاهة و الخوف من المواجهة وووو.. و هذا ما سيضع السلطة في مأزق خاصة بعدما أظهر الشابي قدرته الفائقة على كسب تعاطف الرأي العام العالمي في "معركة المقر" الّتي انتهت في النهاية لصالحه.
الاحتمال الثاني هو اصدار قانون استثنائي يسمح لأيّ مسؤول قضّى فترة معيّنة صلب قيادة أيّ حزب، برلمانيّا كان أو غير برلماني، بالترشّح و هذا الاحتمال مستبعد للغاية لأنّه سيكون عمليا اذعانا لمطالب الشابي لا يمكنه أن تقبله السلطة.
الاحتمال الثالث هو عدم اصدار أيّ قانون استثنائي و بذلك يكون الحزب الحاكم هوالحزب الوحيد قانونا القادر على تقديم مرشّح، وبالتالي سيكون هناك مرشّح واحد للانتخابات الرئاسيّة و هو ما سيكون وقعه سيّئا للغاية في الرأي العام العالمي خاصة وأنّه سيأتي بعد موعدين انتخابيين كانت فيهما الانتخابات الرئاسيّة تعدّديّة، الا أنّه يمكن "اقناع" عدد من الأحزاب بالتحالف فيما بينها لتقديم مرشّح وحيد غير أنّ ذلك سيكون لعبة مكشوفة لأنّه لا يوجد، الى حدّ الآن، أحزاب متقاربة لدرجة تكوين تحالف و حتّى ما يعرف باللقاء الديمقراطي (المكون من حزب الوحدة الشعبية و الاتحاد الديمقراطي الوحدوي و الحزب الاجتماعي التحرّري و حزب الخضر للتقدّم) فانّه ،و بغضّ النظر عن كونه لا يشكّل تحالفا بالمعنى الحقيقي للكلمة،لا يملك النصاب القانوني لتقديم مرشّح وفاقي(عدد نواب هذه الأحزاب مجتمعة 20 نائب) الا اذا دخلت حركة الديمقراطيين الاشتراكيين على الخط و انضمّت لهذا اللقاء (أتساءل في هذه الحالة من سيكون المرشّح الّذي سيجمع بين الاشتراكيّة و القوميّة و الليبراليّة و "حب البيئة"!).
كلّ هذه الاحتمالات اذن لا تبدو مرضيّة ، فهل يعني ذلك أنّ السلطة ستجد نفسها في مأزق عويص الحل أمام ترشّح الشابي؟
للاجابة عن هذا السؤال، ينبغي التساؤل عن المقصد من وراء تواجد قاعدة الثلاثين نائبا هذه. انّه يكمن في جعل الترشّح لرئاسة الجمهوريّة ترشّحا جدّيا بمعنى أنّه لا يمكن تمكين أيّ مواطن من الترشّح بصفة آليّة اذا رغب في ذلك لأنّ ذلك سيؤدّي الى ترشيح المئات و ربّما الآلاف بل يجب تقديم ما يفترض أنّ من يريد الترشّح له من الوزن ما يمكّنه من المنافسة الجديّة و هو ما يمكن أن يفترض من وجود عدد من النواب أو رؤساء البلديات يساندون الترشّح في حالة القانون التونسي.
هذه القاعدة منطقيّة و معمول بها في جلّ الأنظمة السياسيّة و لا أعتقد أنّ هناك جدوى حقيقيّة من حذفها أو حتّى استثنائها كما وقع سابقا لأنّ الاستثناءات الّتي تتكرّر في كلّ موعد انتخابي تجعل من القاعدة هباء منثورا، و لكن يمكن في المقابل تليين القاعدة دون مساس بالدستور: فـ 30 نائب عدد كبير تتحقّق الجديّة بأقلّ منه، فيكفي تعديل المجلّة الانتخابيّة لتنصّ على عدد أقلّ من النواب(10 أو 5 مثلا) و يذلك لا تكون هناك حاجة لتعديل الدستور ليكون ترشّح المعارضة "بالمزيّة" (لأنّه من المفروض أنّ الدستور لا يمكن أن يعدّل يشكل متواتر) و في نفس الوقت تتمّ المحافظة على شرط الجديّة و اعلان تعديل المجلّة الانتخابيّة خطوة(دائمة في هذه الحال و ليست استثنائيّة) نحو مزيد الانفتاح و تمكين المعارضة من المساهمة بشكل أكثر فعاليّة. ستكون نتيجة هذا التعديل "غير المباشرة" اقصاء الشابي من خوض الانتخابات و لكن سيكون ذلك بالمحافظة على "روح القانون" بما أنّ حزبه لا يملك حتّى هذه "الجديّة المخفّفة" و لن يمكنه بالتالي الاحتجاج بتعنّت السلطة و رفضها لفتح الطريق أمام المعارضة الحقيقيّة (الّتي يمثّلها هو بالطبع!) و سيتعيّن عليه اثبات جدّية حزبه من خلال الانتخابات البرلمانيّة من خلال كسب مقاعد في مجلس النواب ليتأجلّ ترشّحه الى الرئاسيّة إلى الانتخابات القادمة و هذا ما لا يبدو بديهيّا في ظلّ غياب برنامج واضح أو حتّى ايديولوجيا محدّدة لهذا الحزب الّذي يبدو أنّه أصبح ناديا لكلّ من يريد قول لا و كفى اذ ربمّا يكون فعلا الحزب المعارض الوحيد و لكنّه عاجز الى الآن أن يقدّم البديل، البديل الّذي ربّما لا يمكن أن يوجد داخل أحزاب.