الثلاثاء، 5 نوفمبر 2019

خطبة حبيب في قومه


خطب حبيب في قومه، فقال: يا بني المختار، كيف علمتموني بينكم؟ قالوا: خيرا، أسمحنا وأتقانا. قال: أما والله إنّ ما مدحتموني به لهو أشدّ الأشياء عليّ، وما هذه السوداء التي تأبى أن تفارقني إلاّ من مداراتكم. لو علمتم ما بي، لأنكرتموني ولما نزلت فيكم هذا المنزل. لو أنّني أرسلت نفسي على سجيّتها لكان لي فيكم المحبّ والمبغض، ولما كان لصدري ليضيق هذا الضيق أو لهذا السدّ أن يُرفع بيني وبيني. قد رضت نفسي على ما تبغون ثلاثين عاما، فكنت فيكم شيخا قبل شبابي حتّى إذا أردت أن أحلّ عقالي وأغتسل بنور الشمس قلتم: أ بعد أن سوّدناه وبلغ فينا ما بلغ يريد أن ينزع إلى الصبا؟ هيهات هيهات، إن كنت غفلت عن نفسي دهرا، فلن أضيعها بعد اليوم ساعة. أنا من أنا، أحبّ وأكره، أشتهي وأنفر، أغضب وأرضى، أضحك وأبكي، ولم تروا منّي إلاّ ما اتشّح بالغمام ولبس الرماد. أما إنّكم سترون منّي ألوانا، ولو أنّكم جميعا سلكتم فجّا ورأيت سبيلي في غيره، لسلكت غير ما تسلكون. ونزل فاعتزل في بيته أيّاما.