الخميس، 11 يونيو 2020

موجز تاريخي مع المسرح

لا أذكر المرّة الأولى الّتي شاهدت فيها عرضا مسرحيا. هناك ذكرى غامضة عن مسرحيّة للأطفال شاهدتها وأنا في سنين دراستي الأولى، وشعرتُ بالملل الشديد. أظنّ ذلك كان في المركز الثقافي والرياضي بالمنزه السادس.
في سنّ العاشرة تقريبا، وبعد قراءتي لكتاب عن "الأيّام الحاسمة في الحروب الصليبية"، أعجبت كثيرا بشخصيّة يوسف بن تاشفين. وفي غمرة ذلك الحماس، كتبتُ مسرحيّة من خمسة مشاهد (لا يتجاوز طول كلّ مشهد منها الصفحة الواحدة) حول معركة الزلّاقة. لم أكتف بالكتابة، بل حاولت كذلك إخراجها. جمعت أبناء الأخوال لإقناعهم بذلك، وبفعل قلّة العدد، كان يجب أن يقوم الممثّل بأكثر من دور. طبعا، استأثرت بدور يوسف بن تاشفين، مسلّحا بسيف بلاستيكيّ أصفر. للأسف، لم نتجاوز في الإنجاز طور البروفة. في المشهد الأوّل، كان من المفروض أن يكون هناك من يقدم على المعتمد بن عبّاد بخبر بعثة ملك قشتالة إليه وقامت بهذا الدور ابنة خالي، وما كانت تهرع إلى "الركح" صارخة "سيّدي، سيّدي" حتّى يغلب الضحك الجميع. لم نتقدّم كثيرا بعد ذلك المشهد.
لمّا كنت أدرس في السنة السابعة، بدا لإدارة المدرسة الإعدادية أن تدرّسنا حصصا في "التربية المسرحية". كان الأستاذ ممثّلا له بعض الشهرة، إذ ظهر في عدد من المسلسلات التلفزية. لم يدرّسنا أكثر من ثلاث حصص أصابني فيها الضجر. علاوة على توقيتها غير الموفّق (ساعة الغداء)، لم يجاوز الأستاذ إملاء بعض المعلومات النظرية والتاريخية. أذكر أنّني كنت أجلس في الحصّة الثالثة في آخر صفّ مسندا رأسي إلى الحائط مغالبا النعاس. في آخر تلك الحصّة، أعلمنا الأستاذ أنّ الحضور سيكون في المستقبل اختياريا، وأخال أنّ النية كانت تتجه نحو تكوين ناد للمسرح. لا أذكر أنّي سمعت بعد ذلك عن هذا النادي.
في المرحلة الثانوية، أصبحت أشاهد عدد أكبر من المسرحيات. لا أنسى حضوري في فضاء التياترو عرضا لمسرحيّة "هنا تونس" لتوفيق الجبالي مع صديقين من المعهد. انبهرت بالعرض، وأظنّها كانت المرّة الأولى التي أحضر فيها عرضا ليليّا. في تلك الفترة، كتبت أوّل مسرحية أتيح لها أن تُعرض، وإن بشكل محدود للغاية. كان ذلك في الثانية ثانوي. طلبت منّا أستاذة التاريخ تقديم عمل جماعي مرتبط بما كنّا ندرسه ليُحتسب في عدد الشفاهي لتلك الثلاثية. خطرت لي فكرة كتابة مسرحيّة عن المعتصم وشاعره أبي تمّام (الذي بدأت أولع به في تلك السنوات). شرعت فعلا في كتابة المسودّة في قاعة المراجعة بالمعهد، ولم أرض عمّا كتبت فألقيتها أو ربّما تركتها فوق الطاولة. لا أدري كيف عملت المخابرات وقتها، فتمّ العثور على المسودّة الملقاة وجاءني "وفد" يقترح عليّ أن يكون العمل لا عن المعتصم بل عن أبيه هارون الرشيد، ربّما لأنّ الرشيد بما يوحي به من أجواء ألف ليلة وليلة كان أكثر إثارة. أخالني كنت متعطّشا للكتابة، فلم أعترض ولم أتمسّك كثيرا بفكرتي الأولى. كتبت مسرحيّة في مشهدين عن الليلة التي سبقت نكبة البرامكة. كان التحدّي الكبير هو إدماج الجميع في هذا العمل: مسرحيّة لا يتجاوز طولها ربع ساعة فيما أذكر، لكنّها تحوي قرابة ثلاثين ممثّلا! أخذت المخرجة المعيّنة المسألة بكلّ جديّة وبرمجت بروفتين للعرض واستدعت قيّمين يعملان بالمعهد حاصلين على الأستاذية في المسرح لإبداء الرأي في العمل. تقبّلت ملاحظاتهما بمزيج من الامتعاض والسخرية. تساءل أحدهما بشيء من العجرفة إن كان العمل يستند إلى المراجع التاريخية حول تلك الفترة، ورددت عليه بشيء من الحدّة إذ لم أكن ممّن يتسامح مع وقائع التاريخ. لا أذكر أنّه اقترح اقتراحا واحدا قابلا للأخذ به، وكتمت ضحكتي لمّا اقترح أن يمكث جلساء الرشيد خلفه لا امامه ليعبّروا عن "المفهوم القاعدي للأركسترا" على حدّ تعبيره. كانت لديّ رؤية لما ينبغي أن يكون العمل عليه ولم أكن مستعدّا كثيرا للمساومة حولها. وفي الحقيقة، كانت تلك الأجواء من الفترات القليلة التي أشبعت فيها نرجسيّتي طوال دراستي الثانوية. قبلت المخرجة معظم اقتراحاتي، بل وعرضت عليّ أن أقوم ببطولة العمل لو شئت، غير أنّني كنت قد صرت أؤمن بالتخصّص آنذاك، فامتنعت عن قبول عرضها. اقترحت، وأنا أبدي كلّ الجديّة، على الزميل الذي سيلعب دور جعفر البرمكي أن يقبل التضحية برأسه لنضيف مشهدا عن إعدامه يكون واقعيّا للغاية! كنت أمزح بطبيعة الحال، لكنني كنت حريصا أشدّ الحرص على أن يكون العمل في المستوى المطلوب، وهو ما لم يتحقّق للأسف رغم جديّة التحضيرات. أثناء العرض، أوقع أحد الممثّلين كأسا ثمينة فانكسرت، وكانت صاحبة الكأس (الذي أحضرته كجزء من الديكور) حاضرة في المشهد، فكادت تجنّ وتخرج من حالتها المسرحيّة لتقرّع صاحب الفعلة الذي تدارك الأمر وأسرع بالمرور إلى عبارته التالية. أمّا "هارون الرشيد"، فقد أخطأ في توقيت إحدى العبارات وهو ما أحدث بلبلة في سيرورة المسرحيّة. نقمت على هذا "الرشيد" الذي أفسد تحفتي وظللت أكرّر عبارات الامتعاض منه لعدّة ساعات.
لم أعد إلى الكتابة المسرحية بعد ذلك لفترة طويلة. راودتني فكرة عن مسرحية شعريّة مستوحاة من الأجواء الرحبانية غير أنّني لم أجاوز في تنفيذها الخطوات الأولى. اكتفيت بالمشاهدة على مدى سنوات، فكنت أحضر كلّ سنة عددا من عروض أيّام قرطاج المسرحية، وأشاهد على مدار السنة ما أمكنني من المسرحيّات التي تعرض بالحمراء والمسرح البلدي والتياترو وقاعة الفن الرابع وغيرها من الفضاءات. لمّا أنشأت مدوّنتي في 2007، كان أوّل مقال أكتبه نقدا لمسرحيّة "نجمة نهار" لمحمّد إدريس، وهي اقتباس لمسرحية "عطيل" لم يرق لي، ربّما لاحتوائه على "بدع" عديدة في حين أنّني كنت أرغب في مشاهدة العمل الكلاسيكي كما هو. غير أنّ العرض لم يكن بالسوء الذي يوحي به المقال. الاعمال السيّئة فعلا لا أكتب عنها عادة، لأنّ الكتابة عنها حبر مهدور ووقت ضائع. أسوأ الأعمال التي شاهدتها اقتباس أريد به أن يكون كوميديّا لسدّ المسعدي، وعرض فرنسي (حضرته عن طريق الخطأ) يخرّف فيه صاحبه لمدّة طويلة عن ذكرياته في أفينيون. أظنّهما العرضين الوحيدين الذّين خرجت دون أن أتمّهما. أمّا أفضل العروض، فلا أستطيع أن أحسم في شأنه. هناك عدد لا بأس به من الأعمال المتميّزة التي رسخت في الذاكرة. أذكر منها مسرحية سورية لسامر محمد إسماعيل بعنوان 'ليلي داخلي" وهي مقتبسة من "خطبة لاذعة ضدّ شخص جالس" لغارسيا ماركيز. أمّا العروض التونسية فمنها "آخر ساعة" لعزّ الدين قنون و"خمسون" للفاضل الجعايبي و"قصر الشوك" لنعمان حمدة و"ريتشارد الثالث" لجعفر القاسمي الذي فاجأني عرضه بشكل سار جدّا، بما أنّني لم أكن أعرف عنه فيما سبق سوى ميله إلى التهريج.
لمّا كنّا نستعد في تونس الفتاة لتنظيم ملتقى بعنوان "قرطاجيون" في سنة 2016، أضفنا إلى المحاضرات عددا من المشاهد المسرحية حول مسيرة حنّبعل. أشرف على تنفيذ هذه المشاهد المسرحي الطاهر عيسى بن العربي، وكانت حدثا فريدا في تاريخ الجمعية وأنقذت النشاط من الرتابة. حضرت البروفة الأولى وفتنتني الأجواء التي سادت التمارين ووددت لو كنت مشاركا في العمل. في نفس السنة، لمّا سمعت بوجود ناد للمسرح في فضاء كرمان الذي كنت تعرّفت عليه منذ فترة قصيرة، غالبت تردّدي وقرّرت الانضمام إليه. كانت الخطوات الأولى مليئة بالارتباك وحتّى إلى المصادفات غير السارة (بما أنّي تعرّضت إلى "نطرة" إثر الحصّة الأولى)، لكن سرعان ما تجاوزت ذلك. بعد شهر واحد، أصبح نادي المسرح ركنا قارا في حياتي، وصارت له طقوسه الخاصة، كقهوة ما قبل البداية بما أنّ أستاذنا العزيز حسّان الغربي كان يتأخّر دائما في القدوم. سرعان ما توّثقت أواصر المودّة مع أعضاء النادي، على اختلاف مشاربهم وتنوّع اختصاصاتهم وتباين أعمارهم. لمّا قيل لنا أنّه ستقع برمجة عرض لنادينا في شهر رمضان، لم آخذ الأمر على محمل الجدّ في البداية ثمّ تهيّبته لمّا صارت التحضيرات تسير فعلا على نسق حثيث. أخال أنّ مواجهة الجمهور كانت أكثر ما خشيته. عشرات من الناس يجلسون قبالتك ويعدّون عليك حركاتك وسكناتك! تجاوزت هذه الخشية تدريجيا مع الأجواء الطيّبة التي سادت المجموعة، وكانت البروفات الرمضانية من أمتع الأوقات التي عشتها على الإطلاق. صعدت على الركح لأوّل مرّة يوم 4 جوان 2017 لأساهم في عرض "أجيال"، وهو مجموعة من المشاهد المسرحية. لعبت حينها دور أب "متدعوش" ومعلّم يجنّنه تلاميذه ومدير مدرسة مرتبك. تلك الوقفة على المسرح كانت استثنائية في حياتي: كنت أظنّني سأكون مرعوبا من التفكير فيما يظنّه المتفرّجون فيّ، لكنّني في الحقيقة كنت منشغلا بتأدية الدور كما ينبغي أن يكون. ليتني كنت كذلك في الحياة نفسها!
بعد ذلك العرض، توطّدت علاقتي أكثر بالمسرح. أصبح فضاء كرمان بيتا ثانيا لي، وكنت أقصده حتّى خارج أوقات النادي لتغيير الأجواء، حتّى وإن كان ذلك بالجلوس بمفردي في فضاء أحسّ به بالألفة. رغم التغييرات الحاصلة في المجموعة، ظلّ إحساس المودّة مهيمنا. حين سافرت إلى أستراليا في آخر 2017، كان من أكثر ما آسفني اضطراري إلى تفويت عدد من حصص النادي، ومن أكثر ما سرّني أنّه أتيحت لي فرصة مشاهدة عمل كلاسيكي كما ينبغي أن يكون، إذ شاهدت بملبورن عرضا لمسرحيّة "عطيل" في فضاء أقيم على نمط مسرح "غلوب" الشهير، حيث كان شكسبير يعرض أعماله. طبعا لم أكن أفهم كلّ ما يقال بتلك اللغة الأنجليزية العتيقة، لكنّني كنت أعرف المسرحية جيّدا واستمتعت بمتابعتها إلى أبعد الحدود.
بدأنا العمل باكرا في ذلك العام على مسرحيّة نتوّج بها أعمال النادي. ابتكرتُ شخصيّة "فريد باي" سليل العائلة الملكية المُبعد عن عرشه، وسرعان ما أصبحت هذه الشخصيّة أساس العمل. كان هناك الكثير من التجريب، إذ كثيرا ما كنّا نحذف مقاطع ونضيف أخرى بعد أن نشاهدها ونناقشها معا. كانت هناك روح ديمقراطية في التحضير للعمل، إذ أنّ الكتابة كانت في الواقع جماعية يساهم كلّ ممثّل فيها في كتابة دوره، وإن كانت الصياغة النهائية (التي لم تتبلور إلّا أياما قليلة قبل العرض) لحسّان. صعدت على الركح، في مسرحية مكتملة الأركان هذه المرّة تحمل عنوان "خرافة"، لأؤدّي دور فريد باي. قيل لي أنّ الدور هو عكس شخصيّتي الحقيقية تماما: أرستقراطي متكبّر ومغفّل وسكّير وخائن. في الحقيقة، كان هذا التناقض من أكثر ما شدّني إلى هذه الشخصيّة. فعلٌ محرّر للغاية أن تكون ما لا يشبهك وأن تقتنع بذلك وتقنع بذلك. في لعب مثل هذه الأدوار برهان على أنّك يمكنك أن تكون كما تشاء متى رغبتَ. لعلّ تلك من أكبر مزايا المسرح: أن تخلق، بمشيئتك الحرّة، ما لا يكون فيصبح كلّ المعنى ما وراء الجدار الرابع.
اضطررت، للأسف، بعد ذلك للابتعاد عن النشاط المسرحي. في آخر 2018، كان النسق المجنون لمشروع "اكاديمية الشعراء" يشغل كلّ وقتي. لمّا حاولت العودة إلى المسرح في فضاء مختلف ومجموعة مختلفة في 2019، لم أجد الأجواء التي تريحني. وجدتُ نفسي في فضاء شديد الضيق إلى حدّ خانق، مع مجموعة تختزل المسرح في الكوميديا، والكوميديا في الإيحاءات الجنسية و"الغشّ" في الكلام، مع أستاذ لا يبدي نقدا يذكر ويتضاحك مع الضاحكين. توقّفت عن الحضور بعد شهر واحد. لكن لا يزال حلم المسرح يراود خيالي. لا أزال أحلم أن أكتب نصّا كـ"هاملت" أو أن أؤدّيه. لا أزال أحلم أن تدوّي صرختي من فوق الركح، كما في عرض "أجيال":
"أنا نحلم باش الدنيا هذي ما تبدلنيش... نحلم باش نضيع فيها كيما نحب ومن بعد نرجع لروحي... نحلم أنّي نفسّخ كلّ طريق مسطّر ونصوّر ثنيّات ما كانتش موجودة... نحلم اللي نعدّي عمري الكل تاعب في حاجة نراها أنو تستاهل التعب… نحلم اللي في آخر نهار ليّ فيها نقول للعالم الكل اللي أنا عشتها لروحي كيما حبّيت وماعشتش حياة حد غيري !"

مع فريق عرض أجيال، 2017
في دور "فريد باي" في مسرحية "خرافة"، 2018

الاثنين، 8 يونيو 2020

خمس وثلاثون

في عيد ميلادي
كعكتي كانت بلا شمع
لم يعدْ شيءٌ لأطفئه
فكلّ حرائقي قد أخمدت
ما عاد غيرَ صدى دويُّ الانفجارْ
ما قد مضى صار الكثير
وما تبقّى... ذاك ما أمسى القليل
إذا حاولتُ أن أمشي سيسبقني الأوان
إذا ركضتُ فلا وصول
إذا رقدتُ كعادتي
من مانعٌ عنّي تِلالاً من غبارْ؟
ترفًا تصير الأمنياتُ
لقد خسرتُ الحقّ فيها
والحقيقة أضحت الكون الوحيد
زجاجها سقفٌ لرأسي
ليس يرضى الانكسارْ
يبدو لما يجري كلّه حجم واحد
من ربوتي أحكيه لي متهكّما
قد مرّ- في أدنى احتمال- مرَّة
لم يبق غيرُ إعادة لا تنتهي
لم يبق غير الانتظارْ
ندمٌ؟ علام؟
تفاخرٌ؟ لم؟
إنني ما قد جرى
أنا نقطَةٌ قد لا تُرى
لولا وميض الذكريات بقلب من أحببتُ
أنتم كلّ عُمْري بعد عُمْري
أنتم المعنى بكلّ صفائه
وَشْمِي بوجه الاندثار

الأحد، 7 يونيو 2020

أساطير على الدرب

ليس لي ستّة أيام
لكي أنشئ في العالم خلقا ما جديدا
الأحاجي ذهبت بالوقت
لا حَلَّ لها أعرفه
طُفْتُ على نفسي مرارا
ووجدت الدرب لم تبدأ
فنفس الحيرة الأولى تعرّيني
ومرآتي عريقٌ شرخها
ما أنا؟
كي أزعم ما أزعم
إني لم أعد أعلم
لم أعلم، لعلّي، قطّ
لا أذكر أنّي قلت يوما:
بصري صار حديدا...
ربّما لم توجد الدرب
ما الأمر سوى إغشاءة
فيها تنزّ النفس من أيّامها
حتى ترى
أن ليس هنا شيء يُرى
هل واقعٌ ذاك الذي نبصره؟
ُما واقعٌ إلََاه...
إنّ الماء والثلج هما غُسل القدامى
فتطهّر بتراب
عَفٌِرِ الوجه به
علّك تغدو منه
كالبدء تماما
خالف الأمر
لكي تهوِيَ في ذاتك صِرفًا
ليس تحيا ها هنا
إلا إذا ما كنت إنسانا مَريدا

الثلاثاء، 2 يونيو 2020

لم يكن ينبغي أن تبدأ الحكاية


مصدر الصورة: weheartit.com

سقطتُ على الرأس
ما كان لي قدمان
لأمشيَ كالناس أعرُجُ فوق التراب
أردت مكانهما لي جناحين
حتى أرى كلّ شيء خفيّ
ولكنني كنت أجهل كيف أحلّق
كان السقوط كتابا أمام عيوني
تهجّأت منه حروفه حرفا فحرفا
ولم أقرأ الكلمات
برأسي اتّقيتُ عناد الثرى
فوجدت كياني سليما 
سوى من غبار البدايه...
لقد كنت أحتاج أكذوبة تنطلي
ربّما لم أصدّق جميع تفاصيلها
كان في القلب ركن به خضرة
لم تجفّ عروقه مثل البقيّة
ظلّ يهامسني كلّما زاد بي غرقي
فيخبّرني أنّ في السطح غيما 
وأسطورة الشمس فخّ قديم
وفي لحظة الحسم أصبح يصرخ:
لا ينبغي أن تتم الحكايه...
كتبت الكثير من الترٌهات
ولم أر فيها بريق الخلاص
محوت زخارف كلّ القصائد
طقس الوداع بسيط شديد التقشّف:
فيه بخار البطولة ينسلّ من كلّ ثقب
ملخٌص كلّ اعتذار يحبٌر في أسطر
كلّ يوم مضى سيُمزّق بين السراديب
وجه جديد تعلّق من فوقه الابتسامات
حتّى يغطّي خزي النهايه...
أما كنت أعرف؟
منذ البدايه!
ولكن أكان يجوز لمن ليس يملك رجلين
ألّا تكون لديه حكايه؟