السبت، 29 يناير 2011

ما بعد التركيبة الجديدة الحكومة...أيّ دور لمجلس النواب؟

أعلنت مساء الخميس التركيبة الجديدة للحكومة المؤقّتة. و قد استجابت هذه التركيبة لضغط الشارع و أبعد منها الوزراء الّذين كانوا منتمين للتجمّع الدستوري الديمقراطي، باستثناء ثلاثة وزراء (من بينهم الوزير الأوّل) لم يعارض الإتحاد العام التونسي للشغل في بقائهم. يبدو أنّ التركيبة الجديدة هدّأت من غضب الشارع، و إن لم تطفئه تماما. و لنفترض جدلا أنّ الشارع رضي بهذه الحكومة وأنّه لن يقع القيام بمظاهرات و اعتصامات ضدّها في حجم تلك الّتي وقعت قبل الإعلان عن التركيبة الجديدة و أنّه سيقع المضي قدما في الانتقال الديمقراطي.

إنّ بعض الإجراءات الهامة لإنجاح الإنتقال الديمقراطي هي إجراءات تشريعيّة. و في هذا الصدد، هناك مشاريع قوانين أقرّتها الحكومة بعد (مثل مشروع العفو التشريعي العام) و هناك ما ترك النظر فيه للجنة الإصلاح السياسي (كتعديل المجلّة الإنتخابيّة و قانون الأحزاب و قانون الصحافة...). تتطلّب هذه الإجراءات تدخّل البرلمان، لكن هل يمكن أن ننتظر من البرلمان المساهمة في إنجاح الانتقال الديمقراطي؟

إنّ الغرفة السفلى للبرلمان، أي مجلس النواب، تتكوّن بكاملها تقريبا (باستثناء نائبين من حركة التجديد) من نواب موالين لنظام الرئيس السابق (75 بالمئة من أعضاء التجمّع و الباقون من الأحزاب الّتي كانت تدور في فلكه). منطقيّا، لا يمكن تصوّر مصلحة شخصيّة للنواب في إقرار مثل هذه القوانين. و رغم أنّ مجلس النواب لم يعترض يوما على قانون اقترحه رئيس الجمهوريّة، فإنّه لا يمكن التعويل على وفاء المجلس لـ "دوره التاريخي" لإقرار مشاريع القوانين المعروضة عليه، و ذلك في ظل الظروف الاستثنائيّة الّتي تعيشها تونس. سيبقى إقرار هذه القوانين رهين حسن نيّة النواب (و المستشارين في مرحلة ثانية، إذا صادق مجلس النواب) و إن لم تتوفّر هذه النيّة الحسنة، و من المنطقي جدّا أن لا تتوفّر، فسيقع الإبقاء على القوانين السارية اليوم، و هو ما سيجعل عمليّة الانتقال الديمقراطي عسيرة للغاية، أو ربّما مستحيلة خصوصا في ظل الأحكام الحالية للمجلّة الإنتخابية و أساسا الفصل 66 منها الّذي يشترط تزكية 30 نائب أو30 رئيس بلديّة للمترشّح لرئاسة الجمهورية، و ما من حزب اليوم باستثناء التجمّع يملك هذا العدد،أي أنّ إتمام الانتقال الديمقراطي إذن مرتبط بإرادة أعضاء الحزب الّذي ينادي المواطنون في الشوارع بسقوطه !

أ لا يمكن إقصاء مجلس النواب من هذه الإجراءات؟ إنّ رئيس الجمهورية يمكن له إتخاذ مراسيم يصادق عليها البرلمان أو أحد مجلسيه لاحقا لكن القيام بمثل هذا الإجراء، فيما عدا المراسيم الّتي يتخذها رئيس الجمهوريّة أثناء العطلة البرلمانيّة (الفصل 31)، يمرّ وجوبا عبر تفويض من البرلمان (الفصل 28 فقرة 5) ، و هنا نعود إلى الإرتباط بالنيّة الحسنة لأعضاء مجلسيه ! كما أنّ حلّ مجلس النواب في فترة رئاسة مؤقتة تالية لشغور منصب الرئاسة يمنعه الفصل 57 من الدستور الذي ينص في فقرته الرابعة: "ويمارس القائم بمهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة المهام الرئاسية على أنه لا يحق له أن يلجأ إلى الاستفتاء أو أن ينهي مهام الحكومة أو أن يحل مجلس النواب أو أن يتخذ التدابير الاستثنائية المنصوص عليها بالفصل 46فضلا عن أنّ حل المجلس ليس من الحالات الّتي يمكن فيها لرئيس الجمهورية اتخاذ مراسيم إلا إذا كان الحل تاليا للائحة لوم ثانية ضد الحكومة يصادق عليها مجلس النواب (الفصل 63).

(ملاحظة: يجدر إعتبار إعلان الرئيس السابق في آخر أيام حكمه عن تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في ظرف ستة أشهر غير ذي أثر قانوني لأنّه لم يقع لا التصريح بحل مجلس النواب و لا تم المرور عبر تعديل للدستور للتخفيض من المدّة النيابية للأعضاء الحاليين للمجلس المحدّدة بخمس سنوات)

هنا، نحن أمام مأزق لا يمكن الخروج منه إلا إذا أبدى أعضاء مجلس النواب حسن نيّتهم و هو ما لا يمكن التعويل عليه.

لعلّ الحلّ يكمن في ترتيب النتائج الناجمة عن كون ما وقع بتونس ثورة بالمعنى الدستوري للكلمة، أي أنّ هناك قطيعة حدثت مع كل مكونات النظام الّذي كان سائدا في الفترة السابقة بما في ذلك الدستور. و بذلك يقع اعتبار دستور 1959 غير موجود (بما يتضمنّه من مؤسسات و منها مجلس النواب). و في هذه الحالة، يجب وضع دستور جديد للبلاد. و الطريقة الأكثر ديمقراطيّة لذلك تتمثّل في الدعوة إلى مجلس تأسيسي منتخب يعدّ هذا الدستور (الّذي يمكن أن تتم المصادقة عليه فيما بعد عن طريق استفتاء). لكن ليكون هذا الحل قابلا للتطبيق ينبغي التساؤل عن مشروعية السلطة الّتي ستدعو إلى هذا المجلس، فإذا افترضنا أنّها الحكومة الحالية، فإنّنا سنكون أمام مفارقة لأنّ شرعية هذه الحكومة تستند إلى دستور 1959 نفسه الّذي تم اعتباره في هذه الحالة لاغيا ! إنّ إقرار مثل هذا الحل يقتضي قبول الشعب بدور جديد لهذه الحكومة تقوم فيه لا بالإعداد لانتخابات رئاسية في ظرف 60 يوما كما يقتضي ذلك دستور 1959، بل بالإعداد لانتخاب مجلس تأسيسي يضع دستورا جديدا للبلاد، بما يتطلّبه ذلك من سن قوانين وقتيّة تضعه الحكومة نفسها لضمان حصول الانتقال الديمقراطي في أفضل الظروف و على رأسها قانون انتخابي.

الجمعة، 21 يناير 2011

تساؤلات حول الحكومة المؤقتة

لا يهمّ أن ضمّت حكومة الوحدة الوطنيّة المؤقتة وجوها من التجمّع الدستوري الديمقراطي (الّذي أرى أنّه يسير في طريق الاضمحلال، إن لم يقع حلّه)، لكن الشرط الأوّل الّذي ينبغي التقيّد به في اختيارهم هو أن يكونوا ممّن يبعثون على الثقة، أي أن يكونوا من أهل الكفاءة العالية و من الشرفاء الّذين لم يعرف عنهم ضلوع في الفساد و ذلك حتّى يتوفّر الحد الأدنى من الثقة في ظلّ رفض من عدد كبير من المواطنين لأيّ حكومة يكون أعضاد الرئيس السابق طرفا فيها، و لكن الحكومة بتركيبتها الحالية تضمّ وزراء يشكّ في توفّر هذا الشرط فيهم...من المريب أن تضمّ هذه الحكومة المنصف بودن الّذي قامت مظاهرات ضدّه و اتّهم بتقديم تسهيلات للطرابلسية عندما كان مديرا عاما للجباية. من المريب أن يكون رضا قريرة وزيرا و هو الّذي يشكّ في ضلوعه في التفويت في أملاك للدولة أيّام كان وزيرا لأملاك الدولة. من المثير للشك وجود المنصر الرويسي وزيرا و هو الّذي تغاضى عن الانتهاكات العديدة لحقوق الإنسان عندما كان رئيسا للجنة العليا لحقوق الإنسان. من المريب التمسّك بأحمد فريعة وزيرا للداخلية و هو البعيد كل البعد في تكوينه و مسؤولياته السابقة عمّا يهمّ هذه الوزارة و بعد خطابه الكارثي، مع احترامي لما عرف عن الرجل من نزاهة و قيمة علميّة في ميدانه.

قد تكون هذه "التهم" باطلة و لكنّ هذا لا يهمّ الآن، بل أنّ الأوكد هو تحقيق ثقة الشارع في هذه الحكومة. من الواضح أنّ هذه الحكومة هشّة للغاية و أنّ أيّ هزّة قد تطيح بها، و مع ذلك يقع الإصرار على الاحتفاظ بهؤلاء الوزراء و كأنّ الوحدة الوطنية لا يمكن أن تتحقّق إلا بوجودهم. يضاف إلى ذلك تباطؤ الوزراء في تقديم استقالتهم من التجمّع (و عدم الإعلان إلى الآن عن استقالة كتّاب الدولة منه) في حين أنّ هذه الاستقالة مطلب أساسي لأكثر من طرف لكي يقبل بالحكومة. كما أنّه لم يتمّ تحديد ميعاد إجراء الانتخابات الرئاسيّة في حين أنّه، إذا افترضنا أنّه سيقع الالتزام بشرعيّة دستور 1959، الواجب الأوّل للرئيس المؤقّت و حكومته و أنّها يجب أن تتمّ في أجل لا يتجاوز 60 يوما.

ثمّ أنّ السياسة الإعلاميّة للحكومة لم تنجح في إبعاد الشائعات لأنّ المعلومات الّتي تقدّمها المصادر الحكوميّة غير واضحة و غير مواكبة للأحداث. على سبيل المثال، لم يتمّ الإعلان رسميّا عن ماهية العصابات الّتي أثارت الرعب في البلاد و لا عن هويّة المقبوض عليهم منها و لا عددهم. تمّ تناقل فيديو في الانترنت يرى فيه عماد الطرابلسي على قيد الحياة دون ان تؤكّد الحكومة مقتله من عدمه. لم يتمّ الحديث رسميّا عن تتبّعات أو اجراءات اتخذت ضد أفراد عائلة الطرابلسي رغم أنّه قد تمّ تناقل إيقاف بعض أفرادها. أكّد البعض عن أنّ مخزون الذهب في البنك المركزي قد نقص فعلا بطنّ و نصف و لم يفلح الإعلام الرسمي في القضاء على هذه الشائعة في ظل توفّر معلومات مغايرة على الانترنت. تمّ نقلة قاضي التحقيق الّذي عهد إليه التحقيق مع علي السرياطي إلى وظيفة أخرى دون توضيح سبب نقلته، و هو الّذي حامت شبهات حول نزاهته. لم يتمّ الإعلان عن القيام بأيّ تتبّع ضد الرئيس السابق و زوجته و أموالهما الّتي بالخارج رغم أنّ سويسرا و الاتحاد الأروبي بادرا بتجميد الحسابات الموجودة لديها.

تحيط إذن نقاط ظلّ عديدة بعمل هذه الحكومة، من واجبها تسليط الضوء عليها و إيضاحها للعموم و إلا فإنّها لن تلقى من الشارع التونسي إلا الرفض و المعارضة و هو ما سيحول دون استمرارها، و حتى إن استمرّت، سيعطّل قيامها بأعمالها.

الثلاثاء، 18 يناير 2011

حتى لا تنحرف الثورة

لا شكّ في أنّ التجمّع الدستوري الديمقراطي حزب كان ينخره الفساد و أنّه قام بتجاوزات خطيرة للغاية في حق الشعب التونسي و أنّه يجب أن يقع حلّه. لكن، شئنا أم أبينا، فإنّ هذا الحزب، الّذي أخذ تسميته الحالية مع بن علي لكنّه وريث الحزب الحر الدستوري و الحزب الإشتراكي الدستوري، سيطر على الحياة السياسية في البلاد منذ أكثر من خمسين سنة و بالتالي فهو يضم في صفوف منخرطيه عددا كبيرا من الكفاءات الّتي لا يجوز اقصاؤها الآن بدعوى أنّها نشطت في صفوف الحزب. الكلّ يعلم أنّ الانضمام لهذا الحزب لم يكن اختياريّا بل مفروضا على كلّ الإطارات السامية للدولة و أنّ الخوف لا الاقتناع هو ما كان الداعي الأساسي إلى هذا الانتماء. هذا الحزب ضمّ نسبة كبيرة من الشعب التونسي (أكثر من مليوني منخرط) لا يجوز اقصاؤها بتعلّة انتمائها إليه، فالثورة جاءت لضمان حقّ جميع المواطنين في تسيير شؤون البلاد و لا ينبغي السقوط في إقصاء البعض لانتماءاتهم السياسية، على غرار ما كان سائدا في النظام السابق. الإقصاء لا يجب أن يشمل إلا من عرف عنه التواطؤ في الفساد و الممارسات المشبوهة دون غيرهم الّذين ينبغي أن تتم محاسبتهم على الجرائم الّتي اقترفوها. و السيّد محمد الغنوشي، رغم وظيفته كوزير أوّل في العهد السابق، لم يعرف عنه بتاتا أنّه كان طرفا في الفساد و هو الآن يسيّر أعمال الحكومة فقط لفترة انتقالية ينبغي انتظارها قبل الحكم له أو عليه، و الضامن الأساسي الّذي سيحمي من التجاوزات هو استفاقة الشعب و وقوفه بالمرصاد في وجه كلّ من يحاول التلاعب به . إنّ إقصاء من انتمى إلى هذا الحزب من تشكيل الحكومة يعني أنّ جميع الوزراء سيكونون ممّن يمارسون العمل الحكومي لأوّل مرّة، أي أنّهم سيكونون من غير ذوي الخبرة و لا يجب أن لا ننسى ما أدّى إليه اجتثاث حزب البعث في العراق من فراغ في أجهزة الدولة ملأته وجوه عاشت لمدّة طويلة في الخارج و لم تكن لها أيّ فكرة عن حالة البلاد و هو ما أدّى إلى شيوع الفوضى في هذا البلد.

إنّ هذه الثورة هي ثورة الشعب، الشعب و لا شيء غير الشعب دون أن يتزعمّه أيّ شخص أو حزب أو منظّمة. لم تسل دماء العشرات ليحكم فلان أو فلتان بل سالت للتخلّص من القهر و الطغيان و الفساد. لا ينبغي مصادرة هذه الثورة من قبل أيّ طرف، لا سيّما من كانوا يعيشون بالخارج منذ سنوات طويلة و انقطعت صلتهم بحياة الشعب. الآن وقع الاعتراف بجميع الأحزاب و المنظمات و بالتالي فالمجال مفتوح أمامهم للتعبير عن أفكارهم و مشاريعهم و ستكون الانتخابات، الّتي ينبغي أن تنظّم في أقرب وقت، المقياس الحقيقي لشعبيّتهم. أمّا الآن، فعلى الجميع التحلّي بالمسؤولية و الحرص على لمّ الشمل و تأطير الشعب و تحفيزه للعمل على تجاوز حالة الفوضى الحاليّة بسرعة و تحقيق الانتقال الديمقراطي. ليس هذا أوان تصفية الحسابات و الصراع على المناصب و لا ينبغي السقوط في هذه المزايدة الإعلاميّة في ظلّ وجود قنوات لا تهمّها مصلحة الشعب التونسي بقدر ما يهمها تحقيق السبق الصحفي، و بالتالي فهي تنشر كلّ خبر يردها دون تأكّد حقيقي من مدى صحّته أو تأثيره على الشعب التونسي.