الأحد، 31 يوليو 2011

عندما مزّقت فيروز جناحيها

" أغمض عينيك عندما تستمع إلى فيروز...إننا لا نرى الملائكة، ولكن يحدث أحيانا أن نسمعها تغني"... هذه القولة لجورج شحادة هي من المقولات الرائجة عند أحباء فيروز... أطلقوا عليها، ومازالوا، اسم الصوت الملائكي... وفعلا، كانت فيروز في مرحلتها الرحبانية متجردة من بشريتها، كائنا فوق حدود الزمان والمكان..يكبر الناس وتنسى هي أن تكبر...غناؤها صلاة، دعوة للتسامي فوق نوازع الجسد...صوتها خمر كيان، يجعلك لا تبالي ما دنيا الناس... لا علاقة لما تغنيه بالواقع، بل يكره الواقع الدامي المعفر بالثرى و يرسم منه كونا بديلا، عالم أطفال يحلمون.. لم تكن منا، بل كانت "سفيرة النجوم إلينا"، صلتنا بالسماء التي تجعل شيئا من السماء يستمر بداخلنا...لكن فيروز لم تبقى في ذلك الوطن السماوي الذي شيّده الأخوان رحباني. مع زياد، مزّق الملاك جناحيه ونزل إلى عالم يدعى "الواقع"... لم يكن نزولها نزول طرد أو لعنة، بل يقينا أن السماء لم تعد تكفي لحمل هموم الأرض، وأنّه يجب على الأرض أن تخرج من الشرنقة، أن تقطع الحبل السرّي حتى تعيش، أن لا تنتظر ضوء شمس لن يأتي أبدا... كان النزول مع ذلك عنيفا، صدم من آمنوا بذلك الوطن وعاشوا في ظله... كان من العسير الاستماع إلى الفتاة الحالمة النقية تخاطب، في "كيفك أنت"، رجلا متزوجا له أطفال وتتمنى الرجوع إليه... و كان من الأعسر الاستماع إليها تسخر من السماء ومن أغاني السماء في "مش كاين هيك تكون"... لكن الملاك مقطوع الجناحين لم يتحول إلى صوت يذوب في زحام المغنين.. التقطت فيروز الزيادية الواقع في أدق تفاصيله. معها، تتعرف على نفسك وتجد من يعبر عنها... فيروز زياد لا تتعالى على آلام البشر ومعاناتهم.. هي تحب و تكره، تعاتب وتصالح، تمزح وتغضب، تقطع وتصل...لا تخجل من أن تصرخ "اشتقتلك، اشتقتلي... بعرف مش رح تقلي... طيب أنا عم قلك اشتقتلك ! " ولا تستنكف من أن تعبر عن عدم مبالاتها: " تمرق علي، امرق.. ما بتمرق، ما تمرق...مش فارقة معاي"... تعطي ثقتها إذا أرادت: " عندي ثقة فيك، وبيكفي"... لم تعد فيروز صوت السماء إلى الإنسان، بل صوت الإنسان إلى الإنسان... تتنفس الأرض مشاغلها إذا شدت... يسمع المتأوهون أناتهم إذا صدحت... عندما كانت ملاكا، منّتنا بعالم مثالي ، طرقاته "مفروشة بالنوم و سعيدة"... و عندما مزّقت جناحيها، أرتنا هذه الحياة، بجميع اختلاجاتها وأزماتها ونكساتها وصَغارها و أدنى تفاصيلها جديرة أن تعاش... وفي حالتيها، تمنحنا فيروز سببا لكي نحيا..

الثلاثاء، 26 يوليو 2011

سنختار آباءنا


هناك حتميّات يعيش داخل إطارها الإنسان ولا يمكن أن يغيّرها...لا يستطيع المرء أن يختار ميلاده أو اسمه أو جنسه أو أباه، وأن يمكن للمرء أن يغيّر إحدى هذه الحتميّات، إلا إذا كان يعيش حلما، حلما مستحيل التحقيق.
لكنّ الثورة بدّدت هذا المستحيل الّذي أصبح الآن ممكنا، بل قريب المنال...بعد أقلّ من ثلاثة أشهر، سنختار آباءنا!
إنّ عمليّة انتخاب المجلس التأسيسي هي اختيار لمن سنطلق عليهم فيما بعد تسمية آباءنا المؤسسين...هؤلاء الآباء الّذين سيضعون حجر الأساس للمجتمع الّذي نريد أن نعيش فيه بعد أن حطّمنا حاجز الخوف ومن سيخطون بأحلامنا في تحقيق الحريّة والكرامة والعيش الكريم الخطوة الكبرى ومن سيضعون لنا أهمّ القواعد الّتي سنعيش في إطارها نحن من سنختارهم.
لنختر آباءنا...لنسجّل في الانتخابات

الخميس، 21 يوليو 2011

الخوف، الخوف المضاد وافتعال الأزمات

اعتصام فقمع فأزمة...ذلك هو مسار اعتصام القصبة 3 مكرّر (لماذا لم يتمّ المرور إلى الرقم 4؟ ربّما لكي لا يقال أنّ إحدى "القصبات" فشلت ، أو ربّما لأنّ الرقم 4 حجزه أحبّاء رولا إبراهيم!)
هو مسار مقلوب. من المفروض أنّ الأزمة هي الّتي تؤدّي إلى حراك شعبي (اعتصام، الموضة السائدة، أو غيره) في اتجاه المطالبة بحلّها. أمّا العكس فهو ما يدلّ أنّ الأزمة مفتعلة وأنّ الحراك يبغي تحويلها إلى أزمة حقيقيّة. وهو حال القصبة 3 الّذي تكشف عنه مطالبها: إعادة هيكلة الهيئة العليا بإقصاء دعاة التطبيع (الّذي لم يدع إليه أحد، وطرحها صلب الهيئة نفسها لا موجب له وهو من باب القاء الاتهامات جزافا)، ضرورة تشريك الشباب (كيف ومن هم الشباب الذين سيقع تشريكهم وفيم؟) ، إقالة وزيري الداخليّة والعدل (المضحك أنّ بعضهم أعدّ سلفا قائمة بمن سيعوّضهم وغيرهم في الحكومة، تماما كمن ينبّرون في "المقاهي" على تشكيلات فرقهم)، التمسّك بموعد 23 أكتوبر (ومن قال غير هذا؟؟) وغير ذلك من المطالب.

الثلاثاء، 12 يوليو 2011

الاحتراف في كرة القدم التونسية: المنزلة بين المنزلتين

دخلت كرة القدم التونسية منذ 2005 عصر الاحتراف "الكلي" الذي شمل حتّى إسم البطولة بما أنّه تحوّل إلى "الرابطة المحترفة الأولى"...تسمية فخمة، جرايات خياليّة، صفقات انتقال بمئات الآلاف من الدنانير، كلّ هذا يوحي بوجود احتراف من الطراز الرفيع بعد تجربة اللاهواية الّتي، كما يدلّ مسمّاها، على مرحلة انتقاليّة بين الهواية والاحتراف ولكنّ هذه المنزلة بين المنزلتين لازالت متواصلة، فالاحتراف لم يشمل إلا وضعيّة اللاعبين، بينما بقيت بقيّة البنية (الجمعيات والجامعات و الفكر السائد) هاوية وهو ما أدّى إلى احتراف أعرج هجين.

الأربعاء، 6 يوليو 2011

القرار 1973 والتدخّل الإنساني

أذن مجلس الأمن في قراره 1973 (2011) المؤرّخ في 27 مارس 2011 حول ليبيا للدول الأعضاء في منظمّة الأمم المتّحدة بـ "اتخاذ جميع التدابير اللازمة...لحماية المدنيين والمناطق الآهلة بالسكّان المدنيين". وقد قامت قوات حلف شمال الأطلسي، بالاستناد على هذا القرار، بتوجيه عدّة ضربات إلى أهداف تخضع لسيطرة العقيد القذافي. ولئن كان من الواضح للعيان أنّ الوضعيّة الإنسانيّة في ليبيا كانت كارثيّة وقت اتّخاذ القرار، إلا أنّه يجدر التساؤل عمّا إذا كان من الجائز، من وجهة نظر القانون الدولي، أن يتمّ الإذن بمثل هذا التدخّل العسكري؟