الأحد، 25 يناير 2015

السياسة في رؤوس اليتامى

كان ما تردّد في البداية، على لسان الطيب البكوش، أن النداء سيشكّل "حكومته" مع الوطني الحر وآفاق والمبادرة، وهو كانت نتيجته ستكون أغلبية غير مريحة ولكنها مضمونة على كل حال. وعندما تم الحديث عن تحالف مع النهضة، كان ما يتبادر إلى الذهن، بغض النظر عن "الخفايا"، أن الغرض هو ضمان أغلبية واسعة عند منح الثقة للحكومة
لكن ما حصل أن من وقع تكليفه كان من خارج الحزب الحاصل عن الأغلبية، وهو أمر غريب في ذاته بما أنّ مركز الثقل في الجهاز التنفيذي هو رئاسة الحكومة، ومنطقيا لا معنى للتخلي عنه لشخصية مستقلة إلا في حالة وجود أزمة سياسية خانقة (داخل الحزب ذاته؟)
وزاد الأمر غرابة عندما تم الإعلان عن تشكيلتها بما أنها لا تضم من الأطراف السياسية خارج النداء سوى الوطني الحر. وجاء الإعلان عنها بصفة مفاجئة يوما واحدا بعد لقاء رئيس الجمهورية برئيس الاتحاد الوطني الحر الذي أعلن على إثره هذا الأخير عودة حزبه إلى المشاورات. وقد اعترضت عليها كل القوى الأخرى، بل أن أطرافا من داخل النداء نفسه ليست راضية عنها، بمعنى أن رئيس الحكومة المكلف قدّم تشكيلة تضمن أن لا تحصل على ثقة البرلمان!!!! وهو ما يعني أن البلاد قد تبقى لفترة أخرى دون حكومة وهو ما يطيح بعودة الاستقرار، الوعد الانتخابي الذي قدمه الجميع دون استثناء.
إذا أضفنا إلى ذلك تعيين وزراء في غير ميادين اختصاصهم ( وزير الدفاع، وزير الصحة...) ووزراء تحوم حولهم شبهات(وزير الداخلية، وزير التنمية...) والكم الهائل من الترضيات (الأزهر العكرمي، كمال الجندوبي، ماجدولين الشارني...) والعدد المرتفع نسبيا لأعضاء الحكومة (ما كان محل اعتراض بلغ درجة السخرية والتندر وقت الترويكا)، يكون السؤال المطروح، الذي يمكن توجيهه أساسا إلى رئيس الجمهورية، المحنك الداهية الأريب الذي رضع حليب السياسة منذ المهد، وإلى الفاعلين في حزب نداء تونس (والله أعلم من يكونون تحديدا!): بحق من تعبدون، ماذا تفعلون؟ أ تتعلمون السياسة في رؤوسنا؟ أم أنكم تتفنون في اختلاق الأزمات؟

الخميس، 15 يناير 2015

الخبر عن مولد أبي معاذ وتسميته وقومه وشيء ممّا حدث سنة ميلاده

كان ميلاده يوم خميس، لأربع عشر بقين من رمضان، بقرية يقال لها عين المطيّة من أعمال ترشيش، وهي بلد ذو نخيل وعيون جارية يشتغل أغلب أهله بالزراعة والتجارة، وانتقل كثير منهم إلى ترشيش فشرفوا بها وكان منهم الأعيان والأدباء والوزراء.
وإسمه في أشهر الأقوال: حمزة، على أنّ كنيته غلبت عليه وكانت إليه أثيرة. ويروى في تسميته أن قد أراد بعض أهله أن يسمّيه حمزة وبعضهم معاذا وبعضهم غير ذلك، فاختلفوا. فقالت خالته: هلمّوا نكتب الأسماء جميعا على رقاع وننظر على أيّها تقع يده. ففعلوا وحملوها إليه في مهده، فوقعت يده على الرقعة التي تحمل إسم حمزة. فقال الملأ: قد والله اختار. وكان بذلك يفتخر لمّا أسنّ ويقول: أنا من اخترت اسمي، لم يختره لي أحد.
ويقال أنّه لمّا ولد، حمله جدّه فطاف به أرجاء القرية وهو يرتجز:
ولد فينا سيّد شمردل...أتى بعزّنا فلسنا نخذل

إنّ الغد الوضّاء فيه يؤمل
وكان مولده في سنة شهباء يقال له "سنة الغارة"، وذلك أنّ الحبيب بن عليّ، صاحب ترشيش، وكان شيخا كبيرا عركته السنون مضى عليه زهاء ثلاثين سنة وهو مالك لرقاب أهلها، كان قد أجار قوما من شعب الجبّارين وأسكنهم مكانا يقال له "الحمّام"، فعدا عليهم جمع من بني إسحاق غدرا وغيلة ففتكوا بهم فتكا ذريعا وقتلوا معهم بعض رعيّة ابن علي، فغضب لذلك، ودعا رسول قيصر، وكان له صديقا، فقال: بلغني أنّكم مالأتم بني إسحاق حتّى فعلوا ما فعلوه، على ما تعلمون من يدي إليكم. وايم الله لئن لم تنتهوا لأخرجنّكم فلا يعود لكم بهذه البلاد ذكر. فبلغنا أنّ رسول قيصر كان يرتعد فرقا. وبلغ الأمر قيصر فأرسل إلى الحبيب بن عليّ فاسترضاه حتّى رضي. ولم تكن لترشيش أجناد تقيها سوى لطف الله. قال أبو معاذ: قد أخبرتني أمّي أن كانت الأرض تهتزّ لمقدم بني إسحاق حتّى ظُن الزلزال، وأنا ابن أربعة أشهر يومئذ.
أمّا أهل أبي معاذ فهم بنو المختار بن عمر، وكان المختار سيّدا شريفا مطاعا في قريته. وقد اختلف في شأنهم النسّابة، فقال ابن الكلبيّ: هم من نسل حمدان بن حمدون بن الحارث، من صليبة بني تغلب ملوك الشام. وقال إبن هشام: بل هم من بني عديّ بن كعب رهط عمر بن الخطّاب، فالله أعلم بحقيقة ذلك.