الأحد، 8 نوفمبر 2015

المليحة في الخمار الأزرق

قل للمــلــيحة فــي الخمـــار الأزرق

أنت الحــيــاة إذا اكتسـت من رونـق

ماذا صنـعــت بــحـائــر لا يرتــوي

لـهـت الريـــاح بقــلــبــه المتــمــزّق

لـبـس الرمــاد وكـان موطئ خطـوه

حـجــرا يُــقــدُّ مـن السهاد المــؤرق

حتّى إذا ضـلّ السبـيـل وما اهـتــدى

كـنـت النــجوم بـضـوئها المتــألّـــق

وسرى الـلـهـيـب فكان أوّل عــهــده

بـحـيــاتــــه، مـــن قــبلـه لم يُـخلــق

علّمـــتــه أنّ الجــنـــان نــعيـشـهــا

في الأرض ثمّ إلى الأعالي نرتــقي

كلّ الكــلام يــتــيــه دونـك خاشعـا


فـيـك الــجنون يـصيـر أبلغ منطـق


الاثنين، 19 أكتوبر 2015

عشر ملاحظات عن مسرحيّة "السقيفة"

-          نقل حادثة السقيفة من مصادرها القديمة إلى لهجة نتحدّث بها يوميّا في حدّ ذاته عمل إبداعي يقرّبها من المعيش، ويجعلنا نراها بعيون الآن ونُسقطها، حتى إن حاولنا تفادي ذلك، على الفترة المعاصرة.
-          يبدو أنّ قضيّة تجسيد الصحابة لم تعد تثير ما تعوّدته من جدل، إذ لم يثر لغط كبير حول المسرحيّة لا في عرضها الأوّل ولا في عرضها في المهرجان.
-          تم التركيز على بعض النقاط التي لم تركّز عليها المصادر القديمة كثيرا، مثل دعوة أبي سفيان عليّا ليتولّى الخلافة. ولئن كان ذلك خارج إطار "السقيفة" المكاني، فقد كان ضروريّا لبناء القصّة من زاوية نظر مؤلّفها. كما تمّ إهمال مرض سعد بن عبادة، وذلك لمنح هذه الشخصيّة دورا أكبر في الأحداث.
-          بناء شخصيّة سعد بن عبادة يشوبه بعض الاضطراب. نراه في البداية أقرب للتردّد وكأنّه فقط يساير أفراد قبيلته، بل ويمنعهم من التعرّض للمهاجرين. غير أنّه ما إن بايع البشير بن سعد أبا بكر، حتّى انقلب تماما، وأصبح رفضه جذريّا. هذا التغيير كان مفاجئا إلى حدّ ما ولا يتناسب مع ما أبدته هذه الشخصية حتّى تلك اللحظة.
-          ثمّة خطآن تاريخيان باديان للعيان: أبو بكر لم يُدع بأمير المؤمنين، فأوّل من دُعي بذلك هو عمر بن الخطّاب. وسعد بن عبادة لم يغادر إلى الشام (التي لم تكن فُتحت بعد !) فور مبايعة أبي بكر، بل في خلافة عمر.
-          النهاية عميقة الدلالة، وتظلّ صرخة أبي سفيان "مازال هذا الزمن زمني" ترنّ في الآذان والأذهان. ما يثير الاهتمام في المسرحيّة أنّ البعد الديني كان شبه غائب، ولعلّ ارتداء الشخصيات للسواد تحت البياض له رمزيته.
-          حضور المرأة في العمل كان شكليّا بحتا. وكان بالإمكان الاستغناء عليه بالمرة دون أن يؤثر ذلك على الأحداث.
-          ملاحظة حول الإخراج: تكرّرت في العمل مواقف كان من المفروض فيها أنّ هناك حوارا بين شخصيتين، غير أنّ كلّ منهما كان ينتحي طرف المسرح ويتحدّث من غير أن يواجه الآخر. حتى إن كان ذلك لإبراز بعد الشقّة بينهما رغم التقارب المكاني، يظلّ ذلك غير مستساغ. في نظري البسيط المتواضع، وحدهم المصابون بعيوب في النظر هم من ينظرون إلى ناحية مخالفة للتي ينبغي أن ينظروا إليها!!
-          - ملاحظة تقنية: لا أفهم كيف أمكن أن يتمّ العرض دون ميكروفونات!!! كنت جالسا في الصفوف الأخيرة، وكنت أسمع بصعوبة بالغة ما يدور على الخشبة. كيف لم يُحسب حساب ذلك؟


-          - ملاحظة تنظيمية: مرّة أخرى، تثبت إدارة أيّام قرطاج المسرحية قدراتها التنظيمية العالية...تأخير بأربعين دقيقة، متفرّجون يفترشون الأرض نظرا لأنّ القاعة لم تتّسع، وأصحاب المسرحية يعلنون أنّ التأخير ناتج عن تأخّر الإدارة في تسليمهم المعدّات...أيليق ذلك بما يفترض أنّه مهرجان عريق؟؟؟

الأحد، 4 أكتوبر 2015

من قلب أنثى

من قبلهــا كـــان طفــلا

يحبو وللـــكــون ينظــرْ

في نفســه يـــنـثـني خو

فا مــن أمـــانِيَ تُـقـبــر

يومـــان كــلّ مــــــداه

ولـيـــس يــكــبـر أكثر

يـــمــوت حرفه يومــا

وبـــعـــد يــوم يزهــر

الآن صــــار شـــــذاه

من كـلّ مســك أعطـر

يعـانـــق الغــد توقــــا

إلــى المــنــى إذ تثمـر

شوق الحيـــاة تجلّـــى

في الروح فهي تُبَشّــر

قد بــثّــه قــلـب أنـثـى

من حـلـمـه هي أكـبـر


السبت، 26 سبتمبر 2015

قبس من القصيدة

لملــم من الشــعر طرفا أيها الصادي
وانثر على الأرض من قربانك الفادي

ليس لنفــــسك غير الحرف تطلـقـــه
حــرّا يعـــانــقــه شوق الصبا الغـادي

يضوع منه الشذى من لطف لمستها
يذوب من ألــــق في نورها الهــــادي

هي القصـيدة إذ تـخـتــال في حلـــل
ووشــيـــها جـــذل اطــمئـنانها البـادي

خُطّ القوافي وزد، ليست سوى قبس
باحــت بــبــعـضه عـيـنا غــادة الوادي

الجمعة، 3 يوليو 2015

زمزمة السواد

إذا طفح السواد، وجفّ المداد، ومالت البلاد، وغابت الوجوه عن العباد، فليس لك إلى نفسك معاد، قلوب يومئذ واهية، تصلى نارها الحامية، وعقول هائمة طاوية، إن وردت ليست راوية، تذهب حسرات وهي تنظر غدا، لا تجد له موعدا، أ فخلقت سدى، أم جاوز الظلام المدى، فلا أقسم بالهوى، والليل وما حوى، والصوت إذا شدا، لحرّها أشدّ من الردى، فهل تجد عليها هدى، وكلّ ما هو آت آت، وإن غامت سبل النجاة، فخذ قبسك ممّا لمست من اليقين، عساك لا تكون لها من الظالمين، وما يغني عنك خنوع القانعين...

الاثنين، 8 يونيو 2015

ثلاثون...

أصبح بإمكاني أن أشهد على التاريخ قليلا...يمكن مثلا أن أضع رجلا على رجل وأترشف من فنجان قهوة وأقول لبعض الصبية: "شهدت حرب الخليج وأنا أستعد لسنتي الدراسية الأولى، ولم تكن أنت قد ولدت بعد، بل لم يكن والداك قد التقيا"...صار من الممكن أن أتحسر على أيام زمان وأذم جيل اليوم، جيل "طاحلي الجبن"، باعتباري أنتمي إلى جيل سابق، "جيل الياغرت"، حتى وإن كنت لا أحب الياغرت...صرت أنصت إلى "البارح كان في عمري عشرين" وأعيش كلماتها...أصبحت أسمع من يناديني "عمي حمزة" أو "سي حمزة " أو "أستاذ حمزة" أو "دكتور حمزة" (هو هاهنا لقب شرفي لا يستدعي مناقشة أطروحة) دون أن يثير ذلك في نفسي استهجانا أو سخرية، بل أراه احتراما واجبا...صارت لي ضرس مقلوعة وعين كليلة ورأس عليه مبادئ الصلع وأذن لا يفارقها الطنين...

قطعت نصف المسافة بين الشباب والكهولة. وأراني فيما مضى قلّما ندمت على ما فعلت بقدر ما ندمت على ما لم أفعل. لم أستغلّ "حقي في الخطأ" كما ينبغي. طالما خشيت من الغابة وبحثت عن الطرق المعبّدة وأراني الآن أقول "ليتني تهت قليلا". عشت داخل نفسي أكثر ممّا ينبغي، ومع ذلك حُبست في ركن منها فلم أعرفها حقا، إلا قليلا ومؤخرا...لم تكن لي عنها إلا صورة مشوشة ألتقط شظاياها من عيون الآخرين وأرتّق منها ما أظنه أنا...
ما يدهشني، ولا أدري أخيرا كان ذلك أم شرّا، أني أراني لم أتغير جوهريا منذ سن الخامسة عشر. أحمل نفس المثل، ورمزاها قديستي وسيرانو، وأتعامل مع ما يحيط بي بشيء من التطرف: إما أن أهب كل نفسي إذا أحببت، وإما أن أكون في قمة اللامبالاة في غير ذلك..."المناطق الوسطى" أو "الأمور المتشابهات" لم تكن يوما من مزاياي، وإن كنت بارعا في التنظير لها بريبية لم يمسها اليقين إلا في الآونة الأخيرة.
في سن السادسة والعشرين، رأيتني وقد بلغت السنّ التي مات فيها طرفة أكتب:

فـلولا ثــلاث هـنّ من عـــيشة الـفــتىوجدّك لم أحــفـــل مــتى قــام دامـــع
فمنهنّ نفحات من السحـــر في الدجىصباح الحـــجى إن تقــتبلها المسامـع
وسامرة ســمـــراء رفــقتها الشــــذىوقطر الندى والقـلب كالـزهــر يانــع
وقدّيــســة من فيضها يقبـس السّـنـــــاوتغزو النهى كلّ الشـــموس الطوالــع


لا شكّ أني كنت أبالغ قليلا...لا يقتصر ما في الحياة على الكتابة والقهوة والقدّيسة. طالما سكنني هاجس الخلود، وطالما كانت الكتابة بالنسبة لي طريق الخلود، والقهوة أفيون الخلود (مضاد اكتئاب خفيف للاستمرار) والقدّيسة مثال الخلود...ما كنت أحيا...كنت منشغلا جدّا عن يومي بمستقبل لم أره، ولا زلت لا أراه...لم تكن الحياة أكثر من برزخ أقضّيه بنفاد صبر في انتظار الأبد...لم أكن أعلم أنّ على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة...تفاصيل بسيطة في يومك تأسرك وتغسل عنك كلّ همّ..أو حبّ فريد تتدفّق به الدماء في كيانك فتعانق الآن والغد، وتغرق في النور... 

الأحد، 24 مايو 2015

حافظ الشيرازي- دون أيّ سبب

و
دون أيّ سبب
بدأت أرقص مثل طفل

و
دون أيّ سبب
تحوّلت إلى ورقة
ارتفعت إلى الأعالي
قبّلت ثغر الشمس
وذبت.

و
دون أيّ سبب
ألف طير
اختاروا رأسي مجلسا
أداروا كؤوس الطلا
وهامت أغانيهم في كل الأنحاء

و
من أجل كلّ سبب في الوجود
بدأت الأبد...
بدأت أضحك وأحبّ إلى الأبد

عندما تحوّلت إلى ورقة
وشرعت في الرقص
ركضت لأقبّل صديقي الجميل
وذبت في الحقيقة
هي أنا...

ترجمة شخصية عن ترجمة دانيال لادينسكي الأنجليزية

السبت، 23 مايو 2015

في البال قصيدة...

في البال قصيدة لم تكتب
عن مسخ بحجم قلب
ينهش قطع السماء
يلتهم ألوان الغد
ينثر الرماد على أرض عارية...

في البال قصيدة لا تكتب
عن ثورة الدماء السجينة
عن شلال العرق المتفجّر
عن جريان الحزن الغاضب
عن أوثان تحرق...

في البال قصيدة لن تكتب
عن غيابات الجبّ
صليل السلاسل الصدئة
ذوبان العيون في السديم
جفاف الروح على الكفوف...

في البال قصيدة تكتب
عن واحة وارفة
منها تنبجس المنابع
يغتسل المسافر فيها

فيولد رحيل لذيذ...

الأحد، 3 مايو 2015

تنويع على لؤلؤة فريدة

معمّد في عطرها...
فيها رأيت الله إذ يضحك لي
أجنحة الأثير رفرفت على صدري
تملّى القلب شعرا
فاضت القصيده...
كلّ الحياة خمرها...
أدمنها بلا حساب
يملأ الكيان وقع فرحة عارية
ويزهر التاريخ في الأطلال
تغدو مدنا جديده...
يكتب شوق سرّها...
وجد كموج الشهب
ناره اللظى، والبرد والسلام
أضحى لغدي مذاقه
تغيب فيه السحب الشريده...
دعجاء تمّ سحرها...
خقق القلوب قصرها
بشرى القصيد عصرها
من في النساء فجرها
يبزغ كاللؤلؤة الفريده...

الاثنين، 16 مارس 2015

غناية ليها

الشمس تطلع من ضو ضحكتها
والربيع يزهّر من لون خدّيها
ألوان الدنيا الكل في بسمتها
والشهد الصافي تذوقو من عينيها
هيّ مرايتك تشوف فيها الروح
كيف ما هيّ من غير حتّى سحاب
بين ايديها تبرى كلّ الجروح
ويتحلّك للفرحة ألف باب وباب
كلماتها تغلّف قلبك بالحرير
تخلّيك في السما تطير بلا جناحات
ترجّعك في لحظة طفل صغير
ما يعرف شي عن همّ الأيّامات
معاها نسرق أحلى لحظات من عمري
في بعدها قداش ما اصعب صبري...

الاثنين، 16 فبراير 2015

كلمات غاضبة في وجه دب أبيض

يجثم في ركنه الركين منذ ساعات ويرمقني بنظرته الجامدة. أمعن النظر فيه حتى يدب الثلج المتسرب منه في مسام جلدي فتسري فيّ قشعريرة فأحوّل البصر. نظرته تحنقني. بياضه الناصع يحبطني. الطريقة التي يجثم بها تستفزني. إخفاؤه لأنيابه وراء ما يشبه الابتسامة يمزقني. مجرد وجوده الآن وهنا ومشاركته إيّاي في الهواء الذي أتنفّسه يجعلني أشعر بالاختناق. نظرته تزداد حدّة شيئا فشيئا. أتجنّبها وأختلس من خلفها إلى موضع القلب منه. لو كان بين يديّ أيّ شيء حاد، لما تردّدت وانهلت عليه طعنا وتقطيعا، لكن ليس في يدي الآن سوى قلم جفّ حبره. كأنّه تحرّك قليلا. أتراه يتحفّز لمهاجمتي؟ أيبطن الغدر وراء تلك النظرة الوادعة؟ لم أر منه سوى السكون منذ حلّ هنا منذ سنوات. لم عساه قد يبدي الشراسة؟ تغور عيناه فجأة وتمتلئان أسى. ذاك أشقّ عليّ. يا لها من نظرة معذّبة تكاد تخترق صدري. أتراه يخشاني؟ أ أيقن بالنهاية أخيرا؟ ماذا ينتظر منّي؟ نظرته تزداد نفاذا إلى الأعماق. تكاد تصل إلى القاع فترتطم به وتفضح خواءه. لو فعلت، لافترست ما بقي حيّا هناك، ولما تردّد في الأرجاء سوى صهيل ضائع. لا بدّ أن أتصرّف. يجب أن أفعل شيئا إن أردت يوما آخر. عليّ أن أغالب ذلك المعشّش فيّ.
وثبت من مكاني. بحركة سريعة، أمسكت ذلك الدب القطني الحامل بين يديه قلبا ضخما، وألقيته من النافذة...

الثلاثاء، 10 فبراير 2015

طرقات بلا ألوان

ذهبت مساء اليوم لاصطحاب أختي من المعهد إلى البيت. كنت أجلس وسط السيّارة مطرقا أستمع إلى الموسيقى عندما دقّت على بلّور السيّارة. في الطريق، سألت أختي: كيف كنت لتعرفي بقدومي لو لم أخبرك مسبقا؟ أجابت: ذلك سهل للغاية. "ليلى" (اسم السيّارة) هي الوحيدة الملوّنة وسط باقي السيّارات السوداء والبيضاء والرمادية. أضحكني الأمر في البداية لكن بقينا طوال الطريق نتبيّن السيارات المحاذية لنا وتلك التي نمرّ بها، فوجدنا أنّ ما قالته أختي قاعدة عامة لا تشذّ عنها إلا بعض الاستثناءات القليلة: سيارات الأجرة وبعض السيارات القديمة والسيارات صغيرة الحجم التي لا تتوفر إلا " بالألوان"...فيما خلا ذلك، قليلة هي السيارات الملونة وأغلبها حتى وإن كان يكتسي لونا فقد أضفي عليه شحوب معدني يفقده البريق الذي من المفترض أن تكتسبه الألوان.
كأن الألوان تحولت إلى مخالفة ضد الذوق العام! مزاج البلاد والعباد رمادي مكفهر مغيم. اللون فرح غير لائق...أن تزهو بما في هذه الحياة أمر مثير للشبهات. كأن الأنظار تتجه إليك في عجب ممزوج بالازدراء متسائلة: ما الذي تملكه في الحياة يستحق الاحتفاء به؟

الأحد، 25 يناير 2015

السياسة في رؤوس اليتامى

كان ما تردّد في البداية، على لسان الطيب البكوش، أن النداء سيشكّل "حكومته" مع الوطني الحر وآفاق والمبادرة، وهو كانت نتيجته ستكون أغلبية غير مريحة ولكنها مضمونة على كل حال. وعندما تم الحديث عن تحالف مع النهضة، كان ما يتبادر إلى الذهن، بغض النظر عن "الخفايا"، أن الغرض هو ضمان أغلبية واسعة عند منح الثقة للحكومة
لكن ما حصل أن من وقع تكليفه كان من خارج الحزب الحاصل عن الأغلبية، وهو أمر غريب في ذاته بما أنّ مركز الثقل في الجهاز التنفيذي هو رئاسة الحكومة، ومنطقيا لا معنى للتخلي عنه لشخصية مستقلة إلا في حالة وجود أزمة سياسية خانقة (داخل الحزب ذاته؟)
وزاد الأمر غرابة عندما تم الإعلان عن تشكيلتها بما أنها لا تضم من الأطراف السياسية خارج النداء سوى الوطني الحر. وجاء الإعلان عنها بصفة مفاجئة يوما واحدا بعد لقاء رئيس الجمهورية برئيس الاتحاد الوطني الحر الذي أعلن على إثره هذا الأخير عودة حزبه إلى المشاورات. وقد اعترضت عليها كل القوى الأخرى، بل أن أطرافا من داخل النداء نفسه ليست راضية عنها، بمعنى أن رئيس الحكومة المكلف قدّم تشكيلة تضمن أن لا تحصل على ثقة البرلمان!!!! وهو ما يعني أن البلاد قد تبقى لفترة أخرى دون حكومة وهو ما يطيح بعودة الاستقرار، الوعد الانتخابي الذي قدمه الجميع دون استثناء.
إذا أضفنا إلى ذلك تعيين وزراء في غير ميادين اختصاصهم ( وزير الدفاع، وزير الصحة...) ووزراء تحوم حولهم شبهات(وزير الداخلية، وزير التنمية...) والكم الهائل من الترضيات (الأزهر العكرمي، كمال الجندوبي، ماجدولين الشارني...) والعدد المرتفع نسبيا لأعضاء الحكومة (ما كان محل اعتراض بلغ درجة السخرية والتندر وقت الترويكا)، يكون السؤال المطروح، الذي يمكن توجيهه أساسا إلى رئيس الجمهورية، المحنك الداهية الأريب الذي رضع حليب السياسة منذ المهد، وإلى الفاعلين في حزب نداء تونس (والله أعلم من يكونون تحديدا!): بحق من تعبدون، ماذا تفعلون؟ أ تتعلمون السياسة في رؤوسنا؟ أم أنكم تتفنون في اختلاق الأزمات؟

الخميس، 15 يناير 2015

الخبر عن مولد أبي معاذ وتسميته وقومه وشيء ممّا حدث سنة ميلاده

كان ميلاده يوم خميس، لأربع عشر بقين من رمضان، بقرية يقال لها عين المطيّة من أعمال ترشيش، وهي بلد ذو نخيل وعيون جارية يشتغل أغلب أهله بالزراعة والتجارة، وانتقل كثير منهم إلى ترشيش فشرفوا بها وكان منهم الأعيان والأدباء والوزراء.
وإسمه في أشهر الأقوال: حمزة، على أنّ كنيته غلبت عليه وكانت إليه أثيرة. ويروى في تسميته أن قد أراد بعض أهله أن يسمّيه حمزة وبعضهم معاذا وبعضهم غير ذلك، فاختلفوا. فقالت خالته: هلمّوا نكتب الأسماء جميعا على رقاع وننظر على أيّها تقع يده. ففعلوا وحملوها إليه في مهده، فوقعت يده على الرقعة التي تحمل إسم حمزة. فقال الملأ: قد والله اختار. وكان بذلك يفتخر لمّا أسنّ ويقول: أنا من اخترت اسمي، لم يختره لي أحد.
ويقال أنّه لمّا ولد، حمله جدّه فطاف به أرجاء القرية وهو يرتجز:
ولد فينا سيّد شمردل...أتى بعزّنا فلسنا نخذل

إنّ الغد الوضّاء فيه يؤمل
وكان مولده في سنة شهباء يقال له "سنة الغارة"، وذلك أنّ الحبيب بن عليّ، صاحب ترشيش، وكان شيخا كبيرا عركته السنون مضى عليه زهاء ثلاثين سنة وهو مالك لرقاب أهلها، كان قد أجار قوما من شعب الجبّارين وأسكنهم مكانا يقال له "الحمّام"، فعدا عليهم جمع من بني إسحاق غدرا وغيلة ففتكوا بهم فتكا ذريعا وقتلوا معهم بعض رعيّة ابن علي، فغضب لذلك، ودعا رسول قيصر، وكان له صديقا، فقال: بلغني أنّكم مالأتم بني إسحاق حتّى فعلوا ما فعلوه، على ما تعلمون من يدي إليكم. وايم الله لئن لم تنتهوا لأخرجنّكم فلا يعود لكم بهذه البلاد ذكر. فبلغنا أنّ رسول قيصر كان يرتعد فرقا. وبلغ الأمر قيصر فأرسل إلى الحبيب بن عليّ فاسترضاه حتّى رضي. ولم تكن لترشيش أجناد تقيها سوى لطف الله. قال أبو معاذ: قد أخبرتني أمّي أن كانت الأرض تهتزّ لمقدم بني إسحاق حتّى ظُن الزلزال، وأنا ابن أربعة أشهر يومئذ.
أمّا أهل أبي معاذ فهم بنو المختار بن عمر، وكان المختار سيّدا شريفا مطاعا في قريته. وقد اختلف في شأنهم النسّابة، فقال ابن الكلبيّ: هم من نسل حمدان بن حمدون بن الحارث، من صليبة بني تغلب ملوك الشام. وقال إبن هشام: بل هم من بني عديّ بن كعب رهط عمر بن الخطّاب، فالله أعلم بحقيقة ذلك.