الاثنين، 14 فبراير 2011

قراءة في إحداث المجلس الوطني لحماية الثورة

صدر اليوم بلاغ إعلامي (http://www.facebook.com/photo.php?fbid=176773552367904&set=a.101927069852553.961.100001057812095) يوضّح مهام الهيئة التي وقعت تسميتها "المجلس الوطني لحماية الثورة". هذا البلاغ يحمل توقيع عدة أطراف من المجتمعين المدني و السياسي. و يشكّل هذا المجلس على ما يبدو ثمرة مفاوضات تلت مبادرة أحمد المستيري منذ الأيام الأولى لسقوط النظام، و رغم أن الإعلان عن هذا المجلس تأجل أكثر من مرّة، إلا أنّه ما زال يطرح في صيغته المعلنة تساؤلات عديدة حول تركيبته و حول صلاحياته.

1)

يضم المجلس عددا من المنظمات و الأحزاب. و باستثناء الاتحاد العام التونسي للشغل، فمن الصعب القول أنّ بقيّة المنظمات الموجودة في المجلس تملك قاعدة عريضة فعدد منها له صبغة قطاعية (كعمادة المحامين و جمعية القضاة) و لا تمثّل إلا عددا محدودا من أعضائها. كما أنّه من الملاحظ أنّ هذه التركيبة تشهد غيابا لمنظمات كانت ناشطة بقوّة و تعرّضت للقمع في ظل النظام السابق (كرابطة حقوق الانسان و جمعية النساء الديمقراطيات).

و في خصوص الأحزاب، فإنّ عددا من الممثلين منها في هذا المجلس "تنويعات" على نفس الاتجاه (التيار البعثي/حركة البعث، الوطنيون الديمقراطيون/حركة الوطنيين الديمقراطيين) و من غير المرجّح، على ما أظنّ، أن يكون لها وزن هام في الشارع التونسي. كما أنّ عددا من الأحزاب "القديمة" غير موجود في هذه التركيبة، و إن كان يمكن تفسير ذلك بالطابع الديكوري لبعضها، فإنّ بعضها الآخر قد غيّر قياداته (كالديمقراطيين الاشتراكيين و حزب الوحدة الشعبية) معبّرا عن رغبة عن القطع مع ماضي الموالاة. و يلاحظ كذلك أن الأحزاب الموجودة في الحكومة غير ممثلة في المجلس، و لا أدري إن كان ذلك تعبيرا عن رغبتها أم عقابا لها على تواجدها في الحكومة.

عموما، يمثّل هذا المجلس أطيافا متعدّدة من المشهد السياسي من اليسار إلى اليمين (مع ميل على ما يبدو إلى اليسار) و عدة منظمات من المجتمع المدني و يبدو أنّ اتحاد الشغل سيشكّل مركز الثقل في المجلس. و لعلّ هذه التركيبة مرشّحة للتوسّع بما أنّ البلاغ يتحدّث عن ممثلين للجهات (دون تحديد واضح لكيفيّة اختيارهم) و بما أنّ المستقلين غابوا عنه، و على رأسهم أحمد المستيري صاحب مبادرة إحداث المجلس.

2)

إنّ المهام الّتي يوكلها هذا المجلس لنفسه تجعل له صلاحيات واسعة. و في جانب منها، تتماهى هذه المهام مع الدور الّذي من المفروض لأن يقوم به البرلمان : مراقبة الحكومة، المبادرة بالإصلاحات (يشبه المبادرة التشريعية) و السلطة التقديريّة في المصادقة على "التشريعات" (كذا، و الأصح: المراسيم). و بما أن عدم مشروعية البرلمان الحالي تكاد تكون محل إجماع، فإنّ إسناد مهامه إلى هذا المجلس (الّذي يملك تمثيليّة تفوق بكثير تمثيليّة البرلمان) مشروع ، و يمكن إيجاد شكل قانوني لهذا المجلس حتى إذا سلمنا جدلا أن دستور 1959 لا يزال حيز النفاذ.

و تجدر الإشارة أنه رغم أنّ هذا المجلس ليس بديلا للحكومة حسبما يبدو من عبارات البلاغ (بما انه لا يدعو لإسقاطها، و يراقب أعمالها، و يطلب إحداثه عن طريق مرسوم صادر عن الرئيس المؤقت)، فإنّ بعض المهام المسندة إليه تجعله يقتسم بعض الأدوار مع الحكومة كما يتجلّى ذلك في تزكية المسؤولين في الوظائف السامية، و هو ما قد يضفي مشروعية على عمل الحكومة العاجزة عن كسب ثقة الشارع إلى الآن، إضافة إلى تدخله في تحديد تركيبة و مهام اللجان (التي لم تحدد الحكومة إلى الآن مهامها بشكل واضح).

إنّ هذا المجلس الممثل للمجتمع المدني و السياسي يجد شبيها له في المؤتمرات الوطنية التي ساهمت في انجاح الانتقال الديمقراطي في عدد من الدول الإفريقية منذ نهاية الثمانينات (مع فرق جوهري يتمثل في كون المؤتمرات أعلنت نفسها سلطا تأسيسيّة، و هو ما لم يبح به مجلس حماية الثورة، إلى الآن على الأقل) و يرتبط نجاح المبادرة بقبول الحكومة المؤقتة لها (مع التذكير أنّ الرئيس المؤقت رفض مبادرة أحمد المستيري الأولى)، فإن تم الإصرار عليها حتّى أن رفضتها الحكومة قد يؤدي إلى وجود هيئتين متنازعتين، و هذا الرفض يبدو غير مرجّح نظرا لأنّ وضعيّة الحكومة الحالية لا تسمح لها أن لا تقبل بمثل هذه المبادرة. و في حالة إقرارها، يصبح وجود مؤسسات مثل البرلمان الحالي غير ذي معنى، و لعلّ الحلّ يكمن في الاعتراف بأنّ ما حدث في تونس ثورة بالمعنى الدستوري للكلمة، و بالتالي الإقرار بأنّ دستور 1959 لم يعد حيز النفاذ.