الأربعاء، 26 ديسمبر 2012

ثورتنا وضياع المعنى

لا شيء عاد له معناه. اللغة العربية/اللهجة الدارجة/الفرنسية المعدّلة تونسيا كلّها بحاجة إلى أن تعيد اكتشاف نفسها حتّى تجد معنى في عالم اللامعنى. إذا تصفّحت جريدة أو موقعا أو صفحة من صفحات الفايسبوك أو شاهدت قناة تنتسب إلى تونس (إسما أو مكانا)، عليك أن تستعين بمعجم (لم يكتب بعد) للـ”ثورة التونسية” المجيدة المباركة.
إذا شاهدت عنوان فيديو “فلان يلقّن فلتانا درسا لن ينساه”، فاعلم أنّ الدرس المقصود هو على الأرجح درس في قلّة الأدب. وإذا رأيت آخر عنوانه “فلتان يمسح بفلان الأرض”، فاعرف أنّه كذلك قد مسح الأرض بكلّ آداب الحوار. إذا تحدّث أحدهم عن “اليسار الكافر العلماني الماسوني المتصهين أيتام فرنسا”، فيمكن أن يعني بذلك مناضلا شرسا من الّذين صمدوا لإعلاء شأن حقوق الإنسان ايّام كانت الكلمة محرّمة. إن هاجم شخص أحد “أزلام النظام البائد ورموز الثورة المضادة” فقد يكون مرماه موظّفا كفؤا وجد في يوم من سنة خلت بطاقة انخراط حمراء فوق مكتبه. إن شتم أحدهم “سلفيا وهابيا ظلاميا من غلمان قطر”، قد يكون يقصد شابا متحمّسا لنصرة دينه. إذا صاح آخر بأعلى الأصوات مطالبا بالتنمية لجهته، فاعلم أنّ في تصرّفاته خرابها. إذا تهجّم فرد على “الكسالى المخرّبين أعداء الشعب”،  فمن المحتمل أنّه يقصد مضطَهدين أعياهم طول التجاهل. إذا تحدّث غيره عن “إعلام العار” فالأمر يتعلّق بحقيقة أحسن أحد الصحفيين نقلها. أمّا إذا رأيت على فيديو أو صورة عبارة “عاجل” أو “خطير” أو “مؤامرة” فاعلم أنّ الدقائق الّتي ستقضيها في المشاهدة هي دقائق ضائعة من عمرك..
كلّ هذا غيض من فيض. كلّ عبارة تقريبا يقع تداولها إعلاميّا لا تعني نفس الشيء لدى قائلها وقارئها والمستمع إليها، بداية طبعا بعبارة “ثورة”، فضلا عن حمايتها وتحصينها وشهدائها وجرحاها وأعدائها وعدالتها الانتقالية. لكي تنطق بعبارة ما، يجب عليك إذا أردت ألا يخطئ المتلقّي معناك أن تضيف “دليلا” إلى كلامك. مثلا، ليست “المؤامرة” (نسخة الترويكا) هي “المؤامرة” (نسخة المعارضة “الديمقراطية”) ولا هي “المؤامرة” (نسخة المعارضة “التقدّمية”). الكلّ متّفق على وجود المؤامرة، ولكنّ كلّ طرف يجزم أنّها ضدّه.
تقرير المعاني لا يتمّ وفق “المنطق” كما وضعه المرحوم أرسطو، بل وفق “منطق” الاصطفاف التلقائي وراء رأي الجماعة الّتي ينتمي إليها المتكلّم. الصواب ما رأته هذه الجماعة والخطأ في كلّ ما جانبه، ولا داعي أن تكلّف نفسك عناء التفكير، فقط اختر انتماءك وستجد اختياراتك تتقرّر دون أن تحتاج إلى تقريرها. الأمر تماما كما قال الشاعر الجاهلي:
وَهَـل أَنـا إِلّا مِـن غَزِيَّةَ إِن غَوَت …غَـوَيتُ  وَإِن تَـرشُد غَـزيَّةُ أَرشَدِ
غير أنّ غزيّة هذه لم تعد فقط قبيلة، يمكن أن تكون حزبا أو حركة أو “منظّمة وطنيّة” أو جمعيّة أو جهة…هي انتماء يمنح حقّ الصراخ في محيطك المتكهرب المتشنّج…هي منطق من فرّقوا وطنهم وكانوا شِيَعا…منطق من يلقون جانبا بجميع ما يوحّدهم ويمسكون بخناق التفصيل الواحد الّذي يفرّقهم…هي فوضى من المعاني الّتي يلهث فيها الفرد بحثا عن الجماعة الّتي تقاسمه نفس الفهم (تقريبا) للكلمات، حتّى إن ضحّى في سبيل ذلك بشيء غير قليل من حريّة فكره…قد يكون هذا الاصطفاف شبه الطائفي وراء معنى معيّن طبيعيّا في مجتمع يعاني منذ عقود من مشاكل جمّة في تحديد هويّته…قد تكون فوضى المعاني هذه عاديّة في ظلّ هذا المخاض “الثوري” الّذي تعيشه البلاد. ..المهمّ أن يكون المولود معنى واحدا يفهمه المواطنون، جميع المواطنين، بنفس الطريقة.

الرابط على تونس الفتاة:

الاثنين، 29 أكتوبر 2012

من يعدنا بالدماء والدموع والعرق ؟


منذ الأيّام الأولى الّتي تلت 14 جانفي، صاحب طوفان الأحزاب المتكوّنة حديثا طوفان مماثل للوعود…وعود أصبحت بمثابة الخبز اليومي لمّا اقترب موعد الانتخابات: الخبزة بـمائة مليم، نسب نموّ قياسيّة، تشغيل مئات الآلاف من العاطلين، المداواة المجانية للجميع…وبرز في خضمّ ذلك الشعار العجيب “توّة”: كلّ شيء يجب أن يتحقّق الآن وفورا. والحقيقة أنّ “توّة” هذه لم تكن مجرّد شعار لحملة انتخابيّة يقوم بها أحد الأحزاب، بل هي تكريس لثقافة متغلغلة في المجتمع انفجرت في ظلّ الأوضاع الّتي عرفتها البلاد في الفترة الأخيرة. لم يعد من المهمّ كثيرا أن تكدّ وتعمل وتكدح وتزرع حتّى تحصد، بل يكفي أن تصيح وتعتصم كي تجد مطالبك ملبّاة حالا (انظر مقالنا: الثورة وقيم التقحيف)
والبحث عن الحلول السحريّة الّتي تحقّق الأماني في ثوان، كمصباح علاء الدين، ليس بالشيء الجديد. وظاهرة “الحرقان” إلى الجنّة الموعودة للعودة بثروة خياليّة في وقت قصير لم تكن خافية. ولعلّ نجاح الثورة في الإطاحة برأس النظام في أمد قصير، وبطريقة تكاد تكون عجائبيّة (فرار مفاجئ لم تفهم دواعيه الصحيحة إلى اليوم) زاد في تعميق مثل هذه الأفكار الّتي سعت عدّة أطراف سياسيّة إلى توظيفها: البطالة حلّها في ليبيا الّتي أصبحت تحتاج بقدرة قادر إلى مئات الآلاف من العَمَلة، الاستثمارات سيتكفّل بها أشقّاءنا في الخليج وفي قطر خاصة، ثروات كانت مجهولة من النفط والغاز ترقد تحت تراب ولاية القيروان…وجاء أحدهم ليغازل بوقاحة فجّة أحلام الغرائز المكبوتة في الجميلات الحسان ممّن ملكت الأيمان. كلّ هذا والوضع الاقتصادي والاجتماعي على الهشاشة الّتي يعلمها الجميع وهو ما يذكّر بعبارة هربرت هوفر (رئيس الولايات المتّحدة بين 1929 و1933) الّذي كان يردّد أنّ “الرخاء ينتظرنا عند المنعطف الأوّل للطريق” فكان أن غرقت بلاده، بعد أشهر معدودة من انتخابه، في أكبر أزمة اقتصادية في تاريخها وما لبثت أن امتدّت آثارها إلى العالم بأسره.
كان من المفروض أن يكون تخلّصنا من القيود الّتي كبّلتنا طيلة عقود فرصة تاريخيّة  لكي نرسم معا وطننا كما نحلم به، وطنا ناهضا متقدّما لا يجوع فيه أحد ولا يعرى. وكنّا ننتظر أن يضع من انتخبناهم للتأسيس اللبنة الأولى لحلمنا، ولكنّهم تاهوا وتوّهونا في نقاشات بيزنطيّة حول السلفيّة والعلمانيّة، والشريعة والدولة المدنيّة، والمصالحة والعدالة الانتقاليّة، والشرعيّة والمشروعيّة، والصفر فاصل والأغلبيّة…(انظر مقالنا: نحو مجلس تأسيسي لا يؤسّس) وكلّهم يسترضي جمهور الناخبين ويداهنه ويتملّقه ترقّبا لموعد جديد يوصل/يبقي في كرسيّ الحكم السعيد. ولم يحفل أحدهم بأن يقدّم مشروعا جادا يلتفّ حوله عموم التونسيين واثقين أنّ عليهم أن يقدّموا الجليل من التضحيات وأن يسموا فوق نفوسهم كي يروه في يوم، ربّما قد يبعد كثيرا، واقعا تطاله اليدان.
لسنا في حاجة إلى من يعدنا أن تمطر السماء ذهبا وفضّة، وأن يبيعنا سهل الريح. كلّ دقيقة من الخمول في هذه اللحظة الفارقة من تاريخنا ستكون نتيجتها سنين من المعاناة للأجيال القادمة. نحن في حاجة إلى من يعدنا، كما فعل ونستون تشرشل في أول خطبه بعد توليه رئاسة الوزراء في بريطانيا، بالدماء والدموع والعرق.

الرابط على تونس الفتاة:

الخميس، 9 أغسطس 2012

ألبوم “غزل” لماجدة الرومي: لم يكن المطر زخّات…


أدمن أحبّاء ماجدة الرومي انتظار جديدها…فآخر ألبوماتها “اعتزلت الغرام” يعود إلى سنة 2006. منذ عام تقريبا، كانت البشارات تتوالى بقرب صدور الألبوم الجديد  غير أنّها كانت جميعها وعود الكمّون بالسقي. ورغم طول الفترة، مازجت مرارة الترقّب حلاوة الشوق…الشوق لزخات مطر تجود بها ديمة، إسمها والرقيّ مترادفان، في أرض تصحّرت، أو تكاد، من الفنّانين. واستجيب للمستسقين، فخرج الألبوم الجديد الّذي يحمل عنوان “غزل” إلى الأسواق منذ بضعة أسابيع.
غير أنّ المطر كان رذاذا… فالألبوم لم يكن جديدا إلا مجازا. فمن مجموع أربع عشرة أغنية، نجد سبع أغنيات يعود تاريخها إلى ثلاث سنوات أو أكثر. بل أنّ بعضها أصبح ركنا شبه قار في الحفلات الّتي تؤدّيها ماجدة الرومي منذ فترة. ويلفت الانتباه منذ البداية الإسم الباهت للألبوم. لا بحث ولا ابتكار في اختياره (ولعلّه لم يتطلّب سوى بضع ثوان)، بل أنّه لا يحيط موضوعا بجميع أغاني الألبوم، فأربع منها بعيدة كلّ البعد عن الغزل. ربّما كان من الأجدى أن يعنون الألبوم، كسابقيه، باسم إحدى الأغنيات الواردة فيه عوض إيراد إسم يكاد يخلو من المعنى.
أربع من الأغنيات القديمة أدّتها ماجدة الرومي في حفل البيال سنة 2009، ويتعلّق الأمر بـ”العالم النا” و “ما تقلّي حبيتا” و”ملك قلبي” و”نشيد الشهداء”. وهذه الأغنيات كانت ذروة عطاء ماجدة في السنين الأخيرة وكان من شأنها أن تكون النجوم الّتي تضيء سماء الشريط “الجديد”، لولا أنّه ليست جديدة ! وقد صاحبت بعضها تغييرات غير مفهومة مقارنة بنسختها الأصليّة، فـ”العالم النا”، وهي انتقاء فائق العناية للكلمات جعلت الفالس المشهور لديمتري شوستاكوفيتش يبدو كأنّه ألّف خصّيصا لماجدة، عرفت تحويرا غير مبرّر للكلمات (من “إني حب” إلى “هيك الحب”، و من”الليل المجنون مطيّرنا” إلى “الليل المجنون  مغازلنا” وإضافة نافرة لهمهمة المجموعة الصوتيّة في البداية، بحيث تظلّ النسخة الأولى الّتي قدّمت في البيال أجمل في بثّها المباشر النابض بالحياة مع الأركستر السمفوني البيلاروسي ومع دهشة التذوّق الأوّل لرائعة فنيّة. أمّا “ملك قلبي” فقد عرفت بعض التكثيف لاستخدام الأكورديون في بعض مقاطعها وصوتا مرتفعا للإيقاع في مقاطع أخرى ممّا أضفى طابعا آليّا خنق روح الأغنية. وفي “ما تقلّي حبيتا”، تغيّرت  ”صارت همّك الوحيد” إلى “طاير بحبّها وسعيد”، وطغى الإيقاع أحيانا على هذه الأغنية الطريفة.
وإضافة إلى أغاني حفل البيال، تشمل الأغاني القديمة كلّا من “ما رح ازعل ع شي” و “يلادي أنا” و “سلونا”. ورغم أنّ “ما رح ازعل ع شي” سابقة في أدائها الأوّل لحفل البيال، فإنّ لسماعها لذّة لا تنضب، فقد كتبت ماجدة كلماتها بمداد من دمها (رغم بساطتها وبعض التعبيرات غير الموفّقة) يصاحبها لحن يموج مع الكلمات أنّى ماجت وحين ينفلت من عقالها (في الفواصل بين المقاطع) فإنّه يصعد ليعانق الذات الإنسانيّة في أنبل آلامها. أمّا “بلادي أنا”، فقد سبق أن أدّتها ماجدة مع يوسو ندور في افتتاح الألعاب الفرنكوفونيّة الّتي دارت ببيروت سنة 2009، وإقحامها في الألبوم مع المحافظة عليها بنفس الشكل ومع الإبقاء على المقطع الفرنسيّ يفقدها ذاك الطابع الاحتفالي الّذي يميّزها. ويبقى إدراج “سلونا” في الألبوم لغزا محيّرا، فقد سبق أن كانت هذه الأغنية في ألبوم “يا ساكن أفكاري” سنة 1988، وإذا كان القصد من إدراجها هو تقديم تحيّة إلى روح الفنّان حليم الرومي، بما أنّ الأغنية قدّمت في شكل دويتو معه، فقد سبق لماجدة أن قامت بنفس الشيء مع أغنية “اليوم عاد حبيبي” في ألبوم “طوق الياسمين” سنة 1998، ممّا يجعل تكرار نفس الشكل عملا يفتقر إلى الإبداع.
 أمّا فيما يخصّ ما هو جديد فعلا في الألبوم، فإنّ ثلاث أغنيات يمكن أن تصنّف في إطار ما أسميّه “الرومانسيّة المريضة”. ومن خصائص هذا الصنف تضمين عبارات مستهلكة وممجوجة عن الحبّ تخلو من أيّ ابتكار مع نغمات خافتة وأداء هامس، ولو تعلّق الأمر بغير ماجدة لقيل أنّ المغنّي يخفي محدوديّة إمكانياته الصوتيّة. والأغاني المعنيّة هي “اقبلني هيك” و “لو تعرف” و “بس قلّك حبيبي” مع تميّز لهذه الأغنية فيما يخصّ اللحن غير أنّه تميّز لا فضل فيه لمجهود ملحّن جديد، فاللحن لشارلي شابلن واقتصر دور جان ماري رياشي على إعادة التوزيع. وأعتبر أنّ أداء ماجدة لمثل هذا الصنف من الأغاني نذير تحوّل خطير، فقبل ألبوم “اعتزلت الغرام” (2006)، كان رصيدها يكاد يخلو من مثل هذه الرومانسيات المريضة. فهل اتّجهت إلى هذه النوعيّة انخراطا في موجة لها جمهور واسع (كجمهور إليسا) اليوم؟ ربّما… ولا تفضل “وبتتغيّر الدقايق” هذه الأغاني إلا قليلا، وتبقى مع ذلك أغنية عادية للغاية كلمات ولحنا (ما عدا بعض اللحظات المميّزة في مقدّمتها الموسيقيّة).
ومن الأغاني الجديدة قصيدتان: “الطير طربا يغرّد” و “وعدتك”. أمّا أولاهما، فرغم المجهود المبذول في التلحين وخاصة في المقدّمة الموسيقيّة، فمن الصعب أن تصنّف حقّا كقصيدة. فمن الواضح أنّ كاتب الكلمات (سلطان بن محمّد القاسمي) أرادها أن تكون قصيدة عموديّة، ويظهر ذلك خاصة من خلال التقفية، ولكن الكلمات لا تستجيب لأيّ وزن من أوزان بحور الخليل، ولا غير بحور الخليل! أمّا القصيدة الثانية، فهي من شعر الراحل نزار قبّاني وألحان كاظم الساهر، ومن أسبر لأعماق نزار من كاظم (حتّى سجن نفسه فيه، ولكنّ ذلك موضوع آخر)؟ غير أنّ نسق الأغنية كان أهدأ بكثير من نسق القصيدة، إذ تمّ الاقتصار على مقاطع متفرّقة من القصيدة وتلحينها بشكل حجب عنها الانفعالات الّتي تتأجّج بها، وهو ما يحول دون أن تكون هذه الأغنية تحفة فنيّة على غرار “الجريدة” و”كن صديقي” وغيرها، ويضاف إلى ذلك قصرها النسبيّ (خمس دقائق ونيف).
 وتبقى أغنية “متغيّر ومحيّرني” جوهرة العقد. وهي أغنية خفيفة الروح تفوّق في تلحينها عبد الرب إدريس على نفسه، وهو الّذي عرفناه قبل ذاك ملحّنا مجدّدا للقصائد، خاصة مع “في ليلك الساري”، فنراه تحوّل ليراقص النغمات الغربيّة للجاز الّتي تميّز في توزيعها جان ماري رياشي.
ويلاحظ أنّ ماجدة الرومي كتبت كلمات ثمان من أغاني الألبوم (مقارنة مع ستّ في الألبوم السابق، منها أربع بالاشتراك مع نزار فرنسيس) وأصبحت بذلك أثبت قدما وأكثر ثقة في كتابة الكلمات. بعضها كان موفّقا (‘العالم النا”، “ملك قلبي”، “ما رح ازعل ع شي” مثلا) والبعض الآخر أقلّ توفيقا. أحيانا تكتب فتكون المرأة الّتي تهدر أعماقها فتصرخ ملبيّة نداءها وتأبى أن تكون صدى، وأحيانا أخرى تكتب فتبدو كلماتها رتيبة معادة لا روح فيها. وكأنّ في ماجدة شاعران: شاعر يفيض إحساسه عن سجن نفسه فينساب كلمات، وشاعر يكتب لأنّه لا مناص من أن يكتب (ربّما لقلّة من يكتبون أشعارا جديرة أن تغنّى في الوقت الحاضر).
أربع عشرة أغنية…سبع منها ليست بالجديدة…أربع دون ما اعتادت ماجدة أن تقدّمه…قصيدة ليست بقصيدة…وأغنيتان تستحقّان أن تذكرا. لو أنّ الألبوم صدر مباشرة بعد سابقه لقلنا أنّ العجلة هي الّتي جعلت العمل على ما عليه، ولكنّ سنين ستّا تفصل بين الشريطين. فهل أنجزت ماجدة هذا الألبوم فقط لتثبت أنّها موجودة؟ فقط ليظهر إسمها في سباق الأغاني؟ فقط ليهلّل معجبوها بالانجاز الجديد؟ أوَ تحتاج إلى ذلك، وهي الأيقونة؟

الرابط على تونس الفتاة: 
http://tounesaf.org/?p=1367

الثلاثاء، 29 مايو 2012

ملتقى أديبات الغد- دورة فضيلة الشابي


تنظّم جمعيتا تواصل للأدب وتونس الفتاة ملتقى أديبات الغد في دورته الأولى: دورة فضيلة الشابي وذلك يوم السبت 2 جوان 2012 بداية من الساعة الثالثة والنصف بعد الزوال بدار الثقافة الأمين الشابي بحي الخضراء.
البرنامج:
15.30 استقبال المشاركين ومعرض كتاب
16.00 الافتتاح وكلمات الترحيب
16.15 مائدة مستديرة حول الأدب النسائي في تونس يديرها الشاعر الشاذلي القرواشي
17.00 المسابقة الأدبية
18.00 استراحة قهوة
18.30 قراءات شعريّة: معز الحامدي، أحمد الطرشاني، أبو معاذ المطوي، محمد الخضري
19.00 تكريم الأديبة فضيلة الشابي
19.15 الإعلان عن نتائج المسابقة والاختتام
للمشاركة في المسابقة، ترسل الأعمال إلى البريد الالكتروني: adibet@tounesaf.org

رابط الحدث على فايسبوك:

الاثنين، 7 مايو 2012

عندما تنطق “النخب” عن الهوى…


نظّمت جمعيّة الوعي السياسي مساء الجمعة 4 ماي 2012 مناظرة فكريّة بين أبي يعرب المرزوقي ورجاء بن سلامة بقاعة سينما الحمراء. كان الموضوع المقترح للـ”مناظرة” هو الدولة والعنف. ومن المفترض في موضوع عنوانه يتضمّن مفهومين من طبيعة مختلفة أن يتمحور البحث حول العلاقة بينهما وبالتالي، فالمسائل المطروحة لا تخرج عن محورين رئيسين: ممارسة الدولة العنف وتصدّيها للعنف الممارس من خارجها. وفي مناظرة، من المفترض أن يتبنّى كلّ من المتناظرين وجهة نظر مختلفة ويدافع عنها. وبالنظر إلى مكانة المتناظرين الأكاديميّة والفكريّة وإلى أهميّة الموضوع وراهنيّته، كان كلّ شيء يغري بالحضور.
وتكلّمت رجاء بن سلامة، ولكنّها لم تقل شيئا…وكأنّها لم تلقي نظرة على عنوان المناظرة، أو لم تقرأ منه سوى كلمة “العنف”. فتحدّثت عن الحكومة الّتي تريد الاستيلاء على الدولة، وعن العنف الّذي مارسه السلفيون، وعن الاعتداءات على الصحفيين، وعن محاكمة نسمة…تحدّثت عن حوادث معيّنة، وركّزت عليها دون أن تسعى إلى ربطها بموضوع المناظرة، فكان كلامها طرائفيا (anecdotique)، أقرب إلى كلام المقاهي، وبعيدا عن بذل أيّ مجهود فكري. أوردت تعريفا للدولة يدرك أيّ طالب حقوق إمعانه في الخطأ. وإجمالا كان كلامها تكرارا للخطاب الممجوج النمطي عن الخطر الإسلامي، وكان خصمها في المناظرة محقّا عندما قال أنّها جاءت لتقديم مرافعة ضدّ طرف معيّن دون أن تبحث عن الحياد. ولعلّ الجملة الوحيدة الّتي نطقت بها والمتعلّقة بموضوع المناظرة كانت حول إفلات مرتكبي العنف من الجزاء.
وتكلّم أبو يعرب المرزوقي، وكذلك لم يقل شيئا…نفى عن نفسه الانتماء إلى حزب النهضة وإلى الحكومة، ولكنّ ما تكلّم به بعد دقائق ناقض ذلك. سعى للتنظير عندما تحدّث عن التحديث القسري، وعن تجفيف الينابيع الّذي يعود إلى عهد الاستعمار دون أن يسعى إلى ربط ذلك بموضوع المناظرة ربطا واضحا. شابت كلامه لحظات من عدم الاتساق عندما كان فجأة يغيّر اللغة من العربيّة إلى الفرنسيّة، ويسترسل في الحديث بالفرنسيّة (ولا أدري إن كان ذلك محاولة للتدليل على انفتاحه ومعرفته بالثقافات الأخرى).  قال أنّ المعاهدات الدولية تعلو الدستور مرتبة، والعكس، طبعا، هو الصحيح سواء تعلّق الأمر بالدستور التونسي لسنة 1959، أو بغيره من الدساتير. عندما سئل عن سبب استعمال التونسيين لكلمةDégage  االفرنسية إبان الثورة وعدم لجوئهم إلى كلمة تؤدّي نفس المعنى باللغة العربيّة، انحدر إلى مستوى غريب من السفسطة عندما قال: “لأنّهم أدركوا أنّه لا يفهم إلا لغة أسياده !!” (وسط تصفيق عدد كبير من الحضور غادروا القاعة ما إن استأذن هو للمغادرة، وهو ما يطرح أكثر من سؤال). وأصبحت الدعاية مكشوفة عندما قال أنّه يجب على كلّ مثقّف يحترم نفسه أن ينخرط في مشروع النهضة !!
اتّخذ كلّ من المتناظرين موقفا، ولكنّه لم يكن موقفا من موضوع المناظرة. جاء كلّ منهما بأفكاره المسبّقة ليدلي بها أمام الآخر وأمام الحضور. جاءت الأولى لترمي بحزمة التهم قصد التخويف، وجاء الثاني بغرض الدعاية…لم تكن مناظرة (والمناظرة تقتضي الاستماع إلى الآخر قبل الردّ عليه) ولا حوارا (اللهم إن كان حوار صمّ !). قد قيل بُعيد الإطاحة بالطاغية أنّ الشعب متقدّم على نخبه، وقد أكّدت هذه المناظرة بين “الأكاديميّة” و “آخر فلاسفة تونس” أنّ النخب ما زالت بعيدة عن الارتقاء إلى تطلّعات شعبها، بل أنّها عاجزة حتّى أن تتكلّم في موضوع معيّن دون أن تخرج عنه وتنطق عن الهوى. ولعلّ ما قاله الكاتب حسن بن عثمان أثناء النقاش يلخّص ما دار في المناظرة: “نزحت رجاء بن سلامة من الأكاديمي إلى الفايسبوكي، ونزح أبو يعرب المرزوقي من الفكري إلى السلطوي”.

المقال على تونس الفتاة:

الجمعة، 27 أبريل 2012

هل يكفي مفهوم الشورى في الإسلام لتأسيس الديمقراطيّة؟


في مواجهة بعض الجماعات الّتي ترى أنّ الديمقراطيّة بدعة غربيّة غريبة عن مجتمعاتنا العربيّة الإسلاميّة وعن موروثنا الديني، يحاول بعض المفكّرين الاستناد إلى مفهوم الشورى في الإسلام لإثبات عدم تناقض الإسلام مع الديمقراطيّة (ومن آخر ما استمعت إليه في هذا الصدد محاضرة الأستاذ فرج معتوق في الأسبوع الماضي في منظمّة ألتايير). وعادة ما يقع الارتكاز في هذا الصدد إلى الآيتين الكريمتين “وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ” (سورة الشورى:38) و “فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ” (آل عمران: 159) وإلى السنّة النبويّة (خاصة استشارة النبيّ صلى الله عليه وسلّم في غزوة بدر وفي الخروج لغزوة أحد) وكذلك إلى حادثة السقيفة وطريقة اختيار الخلفاء الراشدين. هذه المحاولات قد تكون حسنة النيّة، لكنّها ليست أكثر من قراءة انتقائيّة ومنقوصة للموروث الديني ينقصها التماسك، وذلك لعدّة وجوه:
أوّلا- المشاورة، من الناحية اللغوية، لا تفيد أكثر من طلب الرأي. وطلب الرأي، لو أسقطناه على الأنظمة السياسيّة المعاصرة، لما كان يزيد عن الاستفتاء، الّذي لا يمثّل إلا تقنية واحدة من تقنيات الديمقراطيّة لا تعمل بها حتّى بعض البلدان العريقة في الديمقراطيّة. فضلا عن ذلك، فمفهوم الشورى في النصوص لا يحدّد من يُطلب أخذ رأيهم، ولا إلزاميّة هذا الرأي.
ثانيا- تُقرأ الحوادث التاريخيّة الّتي يقع الاستناد إليها عادة بشكل مبتور. فحادثة سقيفة بني ساعدة غاب عنها جميع المهاجرين (باستثناء أبي بكر وعمر وأبي عبيدة) ولم يقع الاتّفاق على أبي بكر إلا بعد أن بادر عمر وبايعه، دون مشورة أحد، ممّا دفع أغلب الحضور لمسايرته، وهو من هو (ولذلك يرى بعض الفقهاء أنّ الخلافة تنعقد ببيعة الواحد !)  وعمر نفسه كان يقول “إنما كانت بيعةأبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها قد كانت كذلك، ولكن الله وقى شرها” كما أنّ العامل القبلي كان مؤثّرا بشكل واضح ولم تكن بيعة أبي بكر محلّ إجماع (رفض سعد بن عبادة البيعة، واعتزل بعيدا، وامتنع عليّ بن أبي طالب عن البيعة ستّة أشهر…) وكانت بيعة عمر بوصيّة من أبي بكر، بل أنّ كلّ الصحابة الحاضرين (باستثناء عليّ) كانوا موافقين مسبّقا على رأي أبي بكر في من يخلفه دون معرفة شخص الخليفة، أمّا بيعة عثمان، فلئن كانت عن تشاور بين ستّة من الصحابة، فإنّ اختيار هؤلاء الستّة كان بقرار أحاديّ من عمر. وأمّا بيعة علي، فإنّ اقتصارها على من حضر مقتل عثمان دون باقي الأمصار كانت من الأسباب المؤدّية إلى حرب أهليّة ما زلنا نعيش آثارها بعد أربعة عشر قرنا (وخاصة التقسيم سنّة/شيعة).
ثالثا- من الأكيد أنّ الشورى كـقيمة موجودة في التراث الديني كما يدلّ على ذلك نصّا القرآن والسنّة. لكنّ الشورى لم تتحوّل حتّى العصر الحديث إلى مؤسّسة واضحة المعالم تتحدّد من خلالها كيفيّة أخذ الرأي، ومن يؤخذ برأيهم، وإلزاميّة هذا الرأي. وغياب الطابع المؤسساتي عن الشورى جعل اللجوء إليها رهنا لإرادة الحاكم، وتبعا للظروف السياسيّة. والدّليل على غياب هذا الطابع المؤسساتي اختلاف طريقة البيعة من خليفة لآخر، وانقلاب الخلافة إلى ملك عضوض يُتداول بالوراثة بعد فترة قصيرة من وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
رابعا- يُغفل الاستناد إلى الشورى مسألة الحاكميّة، فإذا كان تعريف الديمقراطيّة (المبسّط) يجعل منها النظام السياسي الّذي يكون فيه الحكم للشعب، فإنّنا نجد هذا التعريف يصطدم مع الفكرة القائلة أنّ الحكم لا يمكن أن يكون إلا للّه، وهذه الفكرة هي جوهر الاعتراضات على الديمقراطيّة في مجتمعاتنا العربيّة الإسلاميّة. فالتناقض الممكن بين الحاكميّتين لم يجد إلى الآن إلا حلولا تلفيقيّة في معظمها، لا سيّما إذا تمسّكنا بالمنظومة الأصوليّة التقليديّة (كما أسّسها الإمام الشافعي) الّتي تجعل فتوى الفقيه تتمتّع بنوع من الحصانة المطلقة (لأنّها، بالاستناد إلى نفس المنظومة، لا يمكن إن تكون إلا ناطقة بما في كتاب الله).
فالاستناد إلى النصوص الدينيّة يمكن أن يبرّر الشيء ونقيضه. وإذا كانت المنظومة الأصوليّة التقليديّة عاشت لعدّ قرون، فذلك راجع لأنّها “منظومة” تترابط عناصرها وتتكامل بشكل يجعلها متماسكة. وتجاوزها لا يكون بانتقاء مفاهيم منها وإسقاطها عليها، بل ببناء منظومة أخرى لها نفس التماسك…على الأقلّ !


المقال على تونس الفتاة:

الاثنين، 26 مارس 2012

الفصل الأوّل و"يمين البكوش..."

بعد أسابيع من السجال حول قضيّة إدراج الشريعة كمصدر للتشريع (البعض يريدها "مصدرا أساسيّا ووحيدا"، ولا أدري كيف يجمعون بين نعتين لا يجتمعان منطقيّا)، وفي اليوم الّذي شهدت فيه العاصمة "غزوة المنقالة"، حزمت الهيئة التأسيسيّة لحركة النهضة أمرها وصوّتت على الحفاظ على صياغة الفصل الأوّل من دستور 1959 "تونس دولة، حرّة، مستقلّة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربيّة لغتها، والجمهوريّة نظامها" دون إضافة تنصيص على الشريعة. تنفّس الصعداء العديد ممّن تخوّفوا على مدنيّة الدولة وعلى الحريات الفرديّة. وبدا وكأنّ الأزمة قد حلّت. ولكنّ الأمر لا يعدو أن يكون هدنة قد يطول أمدها أو يقصر، و سيتكرّر الصدام لا محالة.

كامل المقال على تونس الفتاة:

الاثنين، 12 مارس 2012

الوحدة المنشودة والتمشيات المفقودة

ما انفكّ السيّد الرئيس المنصف المرزوقي يؤكّد في مختلف المناسبات تمسّكه بخيار الوحدة بين تونس و "شقيقاتها" في مستويات مختلفة: حديث عن الاندماج خلال زيارته إلى ليبيا،  تأكيد على أهميّة وحدة المغرب العربي في جولته المغاربية، ومؤخّرا من خلال وضع علمي الاتّحاد الإفريقي والجامعة العربية إلى جانب العلم التونسي في مكتبه خلال استقباله للزوّار. هذه المواقف جلبت ردود فعل مختلفة من الاستهجان إلى الترحيب في الفضاءات الافتراضيّة. ولئن كنت أقدّر في السيّد الرئيس حسن نواياه، على رغم ما تثيره تصريحاته من لغط، فإنّ مواقفه هذه بعيدة كلّ البعد على أن تكون مشروع وحدة حقيقي، بل هي مجرّد تصريحات عاطفيّة، ربّما كانت تحت تأثير الظرفية الثورية وإرادة استغلال فرصة ما يسمّى بالربيع العربي.


كامل المقال على تونس الفتاة: http://www.tounesalfatet.com/article.php?id=a5e00132373a7031000fd987a3c9f87b