الجمعة، 18 يناير 2008

أحزاب عديدة..لماذا؟

لمّا أعلمت أحدهم أنّ موضوع تدوينتي سيكون حول الأحزاب المعارضة في تونس قال لي :"هذا لا يعنيني..لو كان الأمر متعلقا بالكورة أو السياسة العالمية لاهتممت ولكنّ الحكايات الفارغة لا تعنيني". هذا الموقف تتقاسمه الأغلبية الساحقة من الشباب اليوم بل أنّه يتجلّى بصورة أكثر سلبيّة أحيانا اذ أنّ البعض من الشباب الجامعي المثقف يفرّ من أيّ نقاش يذكر فيه اسم لحزب سياسي و ذلك حتّى داخل بعض كليات الحقوق التي من المفروض أن تكون ساحة غنية لمثل هذه النقاشات.
لنا في تونس اليوم 8 أحزاب معارضة معترف بها..عدد لا بأس به و يكفي لتحقيق الاكتفاء الذاتي منها و لكنّ وزنها يبقى ضعيفا و أقلّ من الضعيف. أذكر أنّه منذ قرابة العام أعلن حزب الوحدة الشعبية، و هو ثاني الأحزاب المعارضة تمثيلا في البرلمان، أعلن بكلّ فخر و اعتزاز أنّ عدد منخرطيه قد وصل الى 5000 و هو رقم ضئيل للغاية بالنسبة لأيّ حزب فما بالك بحزب في مثل هذه العراقة خاصة اذا علمنا أنّ عدد المنخرطين في الحزب الحاكم ناهز المليونين؟ أمّا الأحزاب الأقلّ وزنا، فربّما لا يتجاوز عدد منخرطيها عدد أعضاء مكتبها السياسي!
كيف يمكن تفسير ذلك؟
اذا صنّفنا الأحزاب حسب ايديولوجيّتها المعلنة، سنجد تركّزا رهيبا لها في يسار الخارطة السياسيّة(كقائمة السيّد لومار الّتي احتوت 3 مدافعين يلعبون في مركز الظهير الأيسر، و لكن هذا موضوع آخر!) اذ تنتمي 6 أحزاب لليسار مع وجود حزب قومي واحد و حزب ليبرالي واحد ممّا يجعل من الصعب على المواطن العادي أو حتّى المثقّف أحيانا التمييز بين برامجها اذ يبدو ذلك أحيانا مثل البحث عن الفرق بين توأمين، و حتّى هذه الفروقات الضئيلة لا تكاد تبدو في خطاب هذه الأحزاب اذ يبدو انّ الايديولوجيا المعلنة ليست سوى بند يضاف الى النظام الداخلي للحزب حتّى يحصل على التأشيرة بما أنّ قانون 3 ماي 1988 يمنع وجود أحزاب لها نفس الاتجاهات(أذكر في هذا الاطار أنّ الأمين العام لحزب الخضر للتقدّم حضر في برنامج في قناة عربية و لم يكن يعرف هل حزبه من أحزاب اليمين أو اليسار حتّى أخبره المقدّم بذلك!)، اذ أنّ التصنيف الحقيقي لأحزاب المعارضة المكرّس في الشارع هو بين أحزاب المعارضة الّتي تعارض(أحزاب اللاءات الأزلية) و بين أحزاب المعارضة الّتي لا تعارض(أحزاب الوي-الوي) و في كلتا الحالتين فانّ الخطاب المستعمل منفّر، فالأحزاب الّتي لا تعارض لها خطاب يقوم على الولاء غير المشروط و الدعم المطلق و التنويه بالمكاسب و الانجازات المحقّقة بطريقة فجّة لا يستعملها أعضاء الحزب الحاكم أنفسهم و هذه بالتالي تنفي علّة وجودها، فما الفائدة من الانضمام إلى حزب "معارض" اذا كان الواقع ورديّا إلى هذه الدرجة؟ أمّا أحزاب(أو حزب) المعارضة الّتي تعارض فعلى العكس تماما لا تعترف بوجود أيّ نقطة ايجابية فالحال في تونس حسب خطابهم متردّ و متأزّم و كارثي و ينذر بالانفجار و هو تحليل مهوّل و مبالغ فيه
و اذا أردنا أن نبحث عن مدى استجابة هذه الأحزاب للتعريف المكرّس للحزب السياسي كتنظيم سياسي يهدف الى الوصول الى السلطة و البقاء فيها، فسنجد أنّها جميعا لا تستجيب لهذا التعريف فلا يوجد حزب منها يدّعي رغبته للوصول إلى السلطة نظرا لأنّه مطلب غير واقعي و من الطرائف الّتي تذكر في هذا الصدد أنّ أحد من ترشّحوا للانتخابات الرئاسية الأخيرة كان قد أعلن عن مساندته لترشّح الرئيس قبل ذلك. غنيّ عن الاشارة أنّ حزبا ليس يطمح للوصول الى السلطة لا يمكن أن يكون حزبا، فما هي طبيعة هذه التنظيمات اذن؟
أحد الأصدقاء ابتكر تسمية طريفة و معبّرة للغاية وهي تسمية النادي السياسي.. فأعضاء هذه الأحزاب هم مثل اعضاء النوادي (على طريقة المسلسلات المصرية)يتقابلون و يحتسون القهوة و يثرثرون في عدّة مواضيع من بينها السياسة ثمّ ينفضّون حتّى الاجتماع القادم، و ربّما يعقدون ندوات حول بعض المواضيع الساخنة دون اشتراط أن يكون التحليل جديّا أو معمّقا. أذكر أنّي حضرت مرّة ندوة أقامها أحد الأحزاب حول حقّ التدخّل الانساني و انّي على استعداد أن أقسم أنّ تسعين في المائة من الحاضرين لم يكونوا يعرفون شيئا عن هذا الموضوع كما تجلّى ذلك من خلال النقاشات، فعلى الرغم من أنّ هذه الأحزاب تدّعي كونها أحزاب كوادر، مع العلم أنّ هذه التفرقة بين أحزاب الكوادر و أحزاب الجماهير عفى عليها الزمن لأنّه لا وجود لحزب يقتصر نشاطه على "النخبة" و يهمّش دور" العامة" و يحقّق نتائج معتبرة في الانتخابات، الا أنّها تبقى أحزاب كوادر بلا كوادر(أحد المسؤولين في الحزب الاجتماعي التحرّري اعترف أنّ حزبه تنقصه الكوادر) و بالتالي فتقييماتها للأوضاع تبقى سطحيّة لعدم توفّرها على محلّلين مؤهّلين للقيام بدراسات جادة(مع وجود استثناءات في بعضها) و هي في الحقيقة لا ترى أنّ من دورها القيام بمثل هذه التحليلات لأنّ طموحاتها لا تصل لأن تصلح واقع البلاد و لكن أن تصلح واقع أعضائها كما عبّر عن ذلك توفيق الحكيم في حواراته مع حماره(مع اختلاف الظرفية لأنّ الأحزاب المصرية انذاك كان رهانها فعلا السلطة)، فالتنافس على السلطة لا يظهر في الانتخابات بين حزب و حزب و لكن في حالة عرض منصب على حزب و ذلك في اطار نفس الحزب اذ ترى حينئذ "النضال" السياسي في أعلى مستوياته و تبلغ المناورات السياسية درجة عالية من الدّهاء و "التكمبين" رغم أنّ المنصب قد يعود في النهاية لأحد أصدقاء الأمين العام من غير المنضمّين للحزب(هل أقصد حزبا معيّنا؟ ربّما) فالقتال ليس حتّى على "الثريد الأعفر" بل على فتاته و في مثل هذه الوضعيات لا يكون من صالح الأعضاء المحترمين أن تنضمّ أحد الكفاءات الحاصلة على أعلى الشهادات (و الساذجة لاعتقادها وجود ايديولوجية و رغبة في الاصلاح) لأنّ ذلك قد يمثل منافسة محتملة على المنصب القادم
و رغم الضعف الفادح لهذه الأحزاب فانّها تصل الى مجلس النواب، و يعود ذلك الى طريقة منح المقاعد في تونس و هي طريقة فريدة و لا أظنّ أنّها معتمدة في أيّ بلد آخر اذ أنّ 20 في المائة من المقاعد تمنح للاحزاب الخاسرة في الدوائر حتى ان كانت لا تمثل الا نسبة ضعيفة جدّا من المواطنين ففي انتخابات 1999 مثلا كانت أكبر نسبة تحصّل عليها حزب في مستوى الدوائر في حدود 6% و لم تتطوّر في انتخابات 2004، فالمقاعد لا تمنح لأنّ الأحزاب تستحقّها بل تمنح منّة و تعطّفا و هو ما يشجّع هذه الأحزاب على التمادي في تقاعسها بما أنّ المقاعد مضمونة (للأحزاب الّتي لا تعارض طبعا) بأقلّ مجهود ممكن
و لكي لا نظلم هذه الأحزاب تنبغي الاشارة إلى بعض العوامل الخارجة عن نطاقها و الّتي ساهمت في ضعفها، فالنظرة الّتي تعتبر أنّ المعارضة هي تهمة خطيرة و تآمر على مصلحة البلاد و أمنها و هي النظرة الموروثة من زمن الحزب الواحد ما زالت متغلغلة و مكرّسة على نطاق واسع سواء كانت من بعض المسؤولين في الحزب الحاكم(منذ أسابيع تهيّأت لي الفرصة لأسمع أحد هؤلاء المسؤولين يجيب عن سؤال تعلّق عن اختلافه في الرأي مع أحد الأشخاص فأجاب منزعجا: ليس اختلافا في الرأي و لكن هو سوء تفاهم لأنّ الاختلاف في الرأي يعني أنّ احدنا معارض، ثمّ استرسل في ذم هؤلاء المنحرفين الخطرين المدانين بالتهمة الفظيعة، تهمة الاختلاف في الرأي) و كذلك من طرف بعض الصحافيين(انظر
هذا التعليق) و هو ما يجعل المواطن يخاف من مجرّد التفكير في الانضمام لهذه الأحزاب. و لا يشجّع الاعلام الرسمي على تجاوز هذه النظرة اذ أنّ تغطية أنشطتها تكون برقيّة و تقتصر على بعض الثواني في ذيل نشرة الأنباء مقابل وقت طويل مخصص لنشاط الحزب الحاكم مع اهمال تام لنشاط لأحزاب اللاء الأزلية، فحتّى ان كان نشاطها جادّا و ثريّا فانّ وصول أصدائه الى الجمهور لا يتحقّق خاصة في ظلّ الخوف من اقتناء صحف الأحزاب للأسباب سابقة الذكر. و لا ينبغي نسيان أنّ موارد هذه الأحزاب و المتأتّية أساسا من التمويل العمومي(و هو الآن في حدود 120.000 دينار في انتظار مضاعفته كما اعلن) عاجزة عن التكفّل بمصاريف جمعيّة رياضية في القسم الثاني، فما بالك بحزب من المفترض أن يسعى للوصول الى السلطة، ممّا يجعل الأحزاب تتخلّى مضطرّة عن بعض الأنشطة لضعف الميزانية. أمّا الأحزاب غير البرلمانية فهي لا تتلقّى أيّ دعم و انّي أتسلءل كيف استطاعت أن تواصل" العيش"؟
و في النهاية يبقى التساؤل مطروحا: أ ليس وجود كل هذه الأحزاب من باب الحصيرة قبل الجامع؟ ألا تفترض التعدّدية قبل كل شيء وجود مناخ سياسي يسمح بها؟

هناك 4 تعليقات:

Legend Of The Fall يقول...

كلامك و نحليلك صحيح. هناك نفور كبير من الشباب عن المشاركة في الحياة السياسية. كما أن أحزاب المعارضة التونسية لا تلبي حاجيات المواطن التونسي. فهي إما أنها وجه أخر للنجمع و ناطق جديد باسمه أو هي ترى الوضع قانم و أسود في تونس و هذا غير صحيح كما أشرت أنت. أشاطرك الرأي أن ترسيح عدد من أحزاب المعارضة للرئيس بن علي 2009 أمر غير معقول و إلا فأين طموح هذه الأحزاب في الوصول إلى السلطة و إحداث التغيير؟ أرى أنه على أحزاب المعارضة في تونس، و على الأقل خلال السنوات القادمة، توحيد جهودها و الدخول في تحالفات قصد خوض الانتخابات، كما أنه عليها مزيد تفعيل دورها و الاهتمام بمشاغل المواطن التونسي، و مزيد تحسيس الشباب و الطلبة بأهمية العمل السياسي كعمل تطوعي و جمعياتي قبل كل شيء، كما أنه عليها مزيد الوصول للرأي العام من خلال بعث المواقع الالكترونية و الصحف و لما لا المدونات؟ في بعض الأحيان أتسائل لماذا لا تندمج هذه الاحزاب في حزب واحد؟

Tarek طارق يقول...

أبو معاذ: تحليل متزن يستحق النشر... لكن طبعا لا يشمل كامل المشهد السياسي خاصة الأطراف غير المعترف بها

غير معرف يقول...

BON

غير معرف يقول...

TRES BON ARTICLE TRES EQUILIBRE,REALISTE ET CONSOLIDE AVEC DES EXEMPLES.TOUTEFOIS IL FAUT RESPECTER LES GENS SERIEUX QUI TRAVAILLENT AU SEIN DE CES FORMATIONS EN CE SENS DES EXPRESSIONS TELLES QUE "CLUBS POLITIQUES ET DISCUSSIONS DANS DES CAFES SONT DEMORALISONTES.