السبت، 1 مارس 2008

الشياطين و الساحر الّذي يطير


لي صديق مولع بالساحر الأمريكي كريس أنجل إلى حدّ الجنون (تقريبا) و يعتبره فنّانا موهوبا و ساحرا خارقا. عرض هذا الصديق عليّ و على آخرين مجموعة من العروض الّتي قام بها هذا الساحر و طلب رأينا فيها، فأجاب أحدهم بهدوء و ثقة يحسد عليهما:"هذا الشخص يتعامل مع الشياطين..هذا شيء معروف". ضحكت من هذا الردّ و سخرت من الرجل و اتّهمته بجمود التفكير، لكن يبدو أنّي كنت مخطئا في حقّه لأنّه يبدو أنّ رأيي لا يعبّر الا عن الأقلّية..
لمّا دخلت موقعا لمقاطع الفيديو و قرأت ما كتب من
تعليقات حول عرض قام فيه هذا الساحر بالطيران في الفضاء، أصبت بصدمة، فنسبة كبيرة جدّا من الّذين علّقوا باللغة العربية أرجعوا الأمر الى الشياطين بصفة آلية، بل أنّ أحدهم أصدر حكما باتا غير قابل للنقض في ذلك و اعتبر أنّ الشك فيه هو عدم ايمان بالقرآن:"..الشياطين تطير بالسماء وهذا الساحر تحمله الشياطين طبعا اذا كنت تأمن بالقران لانه القرأن تحدث عن الجن والشياطين وكيف يطيرون فشغل دماغك هذه حقيقه وهذا الساحر من عبدة الشيطان في امريكا"(أعجبتني "شغل دماغك" الّتي تنسجم جدّا مع التعليق!). أمّا البعض الآخر فاستشهد بأحاديث نبوية عن الساحر الّذي تحمله الشياطين و أحسن ردّ أعجبني ذلك الّذي بعد أن أكّد دور الجنّ في العرض، أعطى رقم هاتقه باعتبار أنّه "باحث و معالج بالرقية الشرعية"! صحيح أنّ هناك من ساندوا نظريةّ الخدعة البصرية أو التواطؤ مع الجمهور و لكنّهم ذابوا في زحام تعليقات "الاتجاه المعاكس".
داهية الدّواهي: في مقطع آخر يقوم فيه كريس أنجل بقطع امرأة الى نصفين، قام ناشر المقطع بارفاقه صوتيّا بتلاوة لسورة الجنّ، و لست أدري ما أراد بذلك، هل يعني هذا أنّ المقطع هو الدليل الّذي لا يرد على وجود الجنّ المذكورين في القرآن الكريم؟ أم أنّه أراد تكفير جميع من لم يعتقد بالصفقة المبرمة بين هذا الساحر و الشياطين أم ماذا؟
ليس ما يهمّني في هذه المسألة وجود الجنّ أو عدم وجوده و لكن ما يقلقني هو ذهاب نسبة كبيرة من المشاهدين الناطقين بالعربية إلى هذا التفسير مباشرة دون أن يحاولوا أن يجدوا تفسيرا أكثر منطقيّة، فليس معنى كون الانسان مؤمنا أن يردّ كلّ ما يحار في فهمه الى الجنّ أو الملائكة أو أيّ قوّة غيبيّة أخرى و انّما من المفروض أن لا يتمّ اللجوء الى مثل هذا الحلّ الا بعد استيفاء الحلول المنطقيّة الأخرى، و حتّى في هذه الحالة لا يجب أن يكون ردّ الأمر بمثل هذا الجزم بل من المفروض ابقاء قدر من الشك في امكانيّة وجود حلّ منطقي لم يقع تصوّره.
المشكل أنّنا نميل إلى مثل هذه الحلول و نبرّرها بايماننا بالدّين في حين أنّ المبرّر الأعمق لمثل هذه التفاسير أنّها سهلة و تريحنا من بذل ذلك الجهد المضني و الشاق المسمّى تفكيرا(عافى الله الجميع منه).. اذا مرض شخص فهو مسحور و اذا أصابه نقص في المال فهو محسود و إذا أصيب بأزمة نفسيّة فهو مسكون بجنّ، و لقد قرأت مرّة في احدى المجلات العربيّة الموجّهة للأطفال(انظروا على أيّ قيم نربّي الناشئة) أنّ المسلم الحقيقي لا يمكن أن يصاب بأمراض نفسيّة (هل المريض النفسي اذن كافر؟!!!!). يكفي أن تتصفّح أي جريدة و تنظر في ركن قضايا المجتمع لنعرف الى أيّ قدر يستفيد النصّابون و المحتالون من هذا البحث عن المكاسب السهلة فيقنعون ضحاياهم، الّذين يكونون أحيانا من المتعلّمين، بوجود كنوز أو عبارات سحريّة لقلب الأوراق دولارات(يبدو أنّ الجنّ لا يتابعون الاقتصاد العالمي و الا لعلموا بتدهور قيمة الدولار و حوّلوا الأوراق إلى اليورو).
نعم، تحدّث الدّين عن وجود الجنّ و الشياطين و لكنّه لم يرجع جميع الظواهر إلى الجنّ و الشياطين فالدّين يحتوي على جانب غيبيّ لا يمكن انكاره و لا أرى ضرورة في انكاره لأنّي أعتقد أنّ للعقل حدودا و من وظائف الدّين أن يقدّم تفسيرا لما تجاوز هذه الحدود، تفسيرا لا يفترض بطبيعة الحال أن يكون عقلانياّ و لكنّه معقول (هذه العبارة لمحمّد الطالبي في كتابه "عيال الله") لكنّ الدّين يحثّ كذلك على اعمال العقل و التفكّر في الكون بل أنّ ما ينعاه على المشركين هو عبادتهم للأوثان دون تفكير و بتقليد أعمى للآباء. الدّين توازن بين هذين الجانبين أمّا طغيان الجانب الغيبي على الجانب العقلي فهو لا يعود إلى طبيعة الاسلام في حدّ ذاته و الا لما برزت تياّرات "عقلانيّة"(كالمعتزلة مثلا) و انجازات علميّة في اطار الاسلام و لكنّه يعود الى أفكار سادت لظروف تاريخيّة معيّنة و نشرها أمثال "حجّة الاسلام" الغزالي الّذي قال " انّ وظيفة العقل هي أن يثبت النبوّة ثمّ يعزل نفسه" وغيره ممّن كرّسوا استقالة العقل و خنقوا تطوّر العلوم و كفّروا جميع من خالفهم حتّى أصبح الاسلام في نظر الكثيرين يتماهى مع فكرهم. أرى من الضرورة أن نبحث عن هذا التوازن المفقود في الدّين نفسه فنمكّن العقل من وصول أقصى مداه(و "أقصى مدى" قابل للتغيّر و التطوّر في اتّجاه الزيادة دائما) قبل أن نستورد مفاهيم جاهزة و نحاول أن نطبّقها قسرا على مجتمع غير جاهز فكريّا لتقبّلها و هذا ما سيكون موضوع تدوينة قادمة ان شاء الله.

هناك 3 تعليقات:

غير معرف يقول...

AMAZING!!!

غير معرف يقول...

l'ignorence est un grand problème. et puis ces jours ci la religion est devenue un produit à vendre ds les chaines de télévisions . chaque chaine a ses chikhs et ses fatawi. je suis tout a fait d'accords avec ce que vous venez d'ecrire et j'ajoute une seule chose ces gens qui refusent de penser sont les partsants de la moindre effort.

HNANI يقول...

ton article m'a poussé à écrire un article sur les hardouss. que j'ai connu leur histoire dernièrement et qui m'ont fait terrifié.