الأحد، 10 أغسطس 2008

ثقافة الخوف (3)

نتاج هذه الثقافة إنسان خائف و الإنسان الخائف هو إنسان سلبي لا يفكّر و لا يفعل إلا إذا أذن له بذلك، وقلّما يؤذن له... يفكّرون بالنيابة عنه و يفعلون بالنيابة عنه و ليس أمامه إلا إحناء الرأس و الخضوع و إلا عدّ عاصيا فاسقا مارقا. الإنسان الخائف تحاصره المحظورات الكثيرة فتكبته و تسكته و تلجمه و تغتاله و تجعله يدمّر نفسه و يدمّر غيره و لا يجد طريقا للاحتجاج إلا في اللاشعور (من المثير للفضول أن يكون سبّ الدّين من الأمور الشائعة في حالات الغضب، أمّا مستويات السلطة الأخرى، فحدّث و لا حرج). الإنسان الخائف لا يستطيع أن يختار حياته لأنّها محدّدة سلفا بأطر ضيّقة يعدّ الخروج عنها انتحارا اجتماعيّا. الإنسان الخائف إنسان خائر العزم، لا يؤمن بنفسه لأنّه يعتقد أنّ مواهبه ستذهب سدى في ظلّ مجتمع لا يقدّرها بل و يرتاب منها بما أنّ ثقافة الخوف كفيلة بقتل أيّ شكل من أشكال الابتكار و الإبداع، أو على الأقلّ حصرها في أضيق نطاق ممكن(ككتابة قصص عن عذاب القبر)، لأنّ الإبداع لا يكون إبداعا إلا إذا كانت فيه جرأة، و الجرأة تثير في نفس من تربّى على الخوف أسئلة من قبيل : هل ما سأقوم به حرام؟ هل سيعاقبني الله إن قمت بذلك؟ و سيجيب نفسه في أغلب الحالات بما يمليه خوفه ، فحتّى إن كان العمل "مستساغا" فإنّ القواعد "الشرعيّة" من جنس "عدم الإلقاء بالنفس في المهالك" و "اتّقاء الشبهات" و الأمثال السائدة من نوع "اخطى راسي و اضرب" و "اللي خاف نجا" ستقوم بعملها. و إن تجرّأ و أبدع فإنّه سيخاطر أن يتعرّض للنبذ من مجتمع مستعدّ لأن يأخذ بأقوال أيّ من الّذين نصّبوا أنفسهم بوّابين للجنّة يدخلون إليها من يشاؤون و يخرجون منها من يريدون و الجاهزين على الدوام لإصدار فتاوى التكفير و الاتهامات بنشر الفسق و الفجور و البحث عن الشهرة الرخيصة و انتهاك المقدّسات و مخالفة النصّ الصريح و "إجماع العلماء" في حقّ أيّ مخلوق يمكن أن تصل به نفسه الأمّارة بالسوء إلى ارتكاب جريمة الإبداع و العياذ بالله !


و من المشروع التساؤل: لماذا يسود ثقافتنا كلّ هذا الخوف؟ لماذا يفرض علينا أن نخاف؟

لعلّ هذا السؤال يجد جوابه في هذه العبارة للأستاذ علي المزغنّي: " الخوف شعور من لا قدرة له على مواجهة الآخر"... التقينا بالآخر و علمنا أنّه "سبقنا إلى الحضارة بأحقاب" كما يقول ابن أبي الضياف فلم نقدر على مجاراته فآثرنا الانكفاء على أنفسنا و الاكتفاء بما نعرفه و لا نكاد نعرف غيره و هو ديننا. انكببنا عليه و ضخّمنا قشوره و فضلات قشوره و اعتبرناها الدّين نفسه، من تمسّك بها سلم و من حاد عنها ضل... غرقنا في تفاصيل تافهة عن الدّين و تشبّثنا بها و جعلنا منها قضايا مصيريّة (كالحجاب مثلا) و اتّهمنا من ناقشها بالتآمر مع الآخر لطمس معالم هويّتنا. نرفع رؤوسنا أحيانا فنجد أنّهم ابتعدوا عنّا شوطا آخر فلا نفكّر في اللحاق بهم بل ننكبّ أكثر على كتب السلف الصالح و نترحّم على زمنهم الّذي كنّا فيه سادة العالم (بل و نعيش في ذلك الزمن) و نظلّ نجترّ آراءهم و نكرّرها و لا نحيد عنها حتّى و إن كانت خرقا أبلاها الزمن ونظنّ بعد ذلك أنّنا تشبّثنا بهويّتنا و بلغنا طمأنينة المتمسّك بدينه..."هكذا نحن، فضّلنا الطمأنينة على مواجهة الأزمة، و لكنّها طمأنينة أفيون و ارتياح مؤسّس على تغييب للحاضر و إحضار للغائب"ّ(سليم اللغماني، المرجع السابق)...الخوف في الثقافة السائدة عندنا هو القيد الّذي يحول دون الانفلات من عقال "هويّتنا الدينيّة"، نربّى عليه حتّى لا نجرؤ على التفكير في التحرّر منها و نحن نراه أمامنا سيفا مشهرا في وجوهنا، و هو سلاح من فقد قدرته على الإقناع و لم يجد له ملاذا إلا الإرهاب و التخويف.

(يتبع: الجزء الرابع و الأخير)

هناك 5 تعليقات:

غير معرف يقول...

la peur est au centre de la réligion : faire peur est le seul argument réligieux la peur de

l'enfer , de la sanction et

soufi

abunadem يقول...

ان نقد الدين هو نقد وادي الدموع وادي الخوف ...مقال جيد .

غير معرف يقول...

أتدرى لماذا نخاف يا "أبو معاذ" و كيف نخاف و ممّا نخاف و كيف لا نتجرّأ بأن لا نخاف. الخوف في أوطاننا هو المأمن، هو الطمأنينة، هو العيش الهاديء...تصوّر أنّك لم تكن "خوّافا" و تجرّأت و قلت الحقيقة في أي مكان ما، كيف ستجد ردّة الفعل؟ هل سيأيّدونك ؟ هل سيقفوا إلي جانبك؟ و إن فعلوا ماذا سيكون مصيرهم؟بالطبع مصيرك هو مصيرهم و مصير كلّ من إنتقد و حاول الإصلاح في مجتمعنا، هذا المجتمع الّذى يعتمد أوّلا و آخرا علي إتّباع أولي الأمر الّذين يعرفون مصلحتك و مصيرك و إتّجاهاتك فلا تنزعج فستأكل عندما يأذن لك بذلك، و تتكلّم إن أذنت أم سمح لك، فلماذا هذا التعجرف بالإبداع و الإجتهاد، فكل لقمتك و أبلع لسانك و أترك الأمر إلى من يهمّه أمرك.

غير معرف يقول...

أتدرى لماذا نخاف يا "أبو معاذ" و كيف نخاف و ممّا نخاف و كيف لا نتجرّأ بأن لا نخاف. الخوف في أوطاننا هو المأمن، هو الطمأنينة، هو العيش الهاديء...تصوّر أنّك لم تكن "خوّافا" و تجرّأت و قلت الحقيقة في أي مكان ما، كيف ستجد ردّة الفعل؟ هل سيأيّدونك ؟ هل سيقفوا إلي جانبك؟ و إن فعلوا ماذا سيكون مصيرهم؟بالطبع مصيرك هو مصيرهم و مصير كلّ من إنتقد و حاول الإصلاح في مجتمعنا، هذا المجتمع الّذى يعتمد أوّلا و آخرا علي إتّباع أولي الأمر الّذين يعرفون مصلحتك و مصيرك و إتّجاهاتك فلا تنزعج فستأكل عندما يأذن لك بذلك، و تتكلّم إن أذنت أم سمح لك، فلماذا هذا التعجرف بالإبداع و الإجتهاد، فكل لقمتك و أبلع لسانك و أترك الأمر إلى من يهمّه أمرك.

غير معرف يقول...

c'est un tres bon blog les articles sur la culture de la peur au nom de l'islam sont tres riches et bien argumentés bon courage