الأحد، 20 أبريل 2008

"إيماني ساطع"

في مسرحيّة المحطّة الّتي عرضت ببيروت سنة 1973، تقوم فيروز بدور فتاة تأتي إلى حقل و تزعم أنّ هناك محطّة مطمورة تحته و أنّ القطار سيصل إليها فيسرع الناس لاقتناء التذاكر و لكن بعد مرور فترة طويلة دون أن يظهر للقطار المزعوم أيّ أثر يفقدون ثقتهم في الفتاة و يأتي رجال الشرطة للقبض عليها لنشرها أنباء كاذبة و لكنّها لا تفقد لحظة إيمانها بنفسها و تؤدّي أغنية هي أقرب من أن تكون ترتيلا:
إيماني ساطع يا بحر الليل
إيماني الشمس المدى و الليل
لا بيتكسر إيماني
و لا بيتعب إيماني..
و فجأة يظهر القطار
تذكّرت هذه الأغنية عندما قرأت التدوينة الأخيرة لبيل سون و خصوصا عبارتها الختاميّة: "إذا أردت أن يقدّرك الناس فعليك أن تبدأ بتقدير نفسك"، و لعلّ هذه الجملة تلخّص وضعنا الحالي و مآلنا أيضا...
لماذا لم نتقدّم ؟ هذا السؤال العويص الّذي نطرحه على أنفسنا منذ عدّة قرون قد يكون جوابه بسيطا للغاية: لأنّنا لا نؤمن في قرارة نفوسنا أنّنا نستطيع التقدّم و هذا الإيمان هو الخطوة الأولى لتحقيق أيّ نهضة. في بلداننا الناس يعيشون لمجرّد العيش و لا يهمّهم كثيرا التفكير في أسباب تخلّفهم و إذا عنّ لأحدهم أن يفكّر و يحاول أن يبدع و يجد وسيلة للتغيير فإنّ ردّ الفعل هو ضحكات سخريّة و سؤال تهكّمي: "من تظنّ نفسك؟" لأنّ كلّ محاولة للخروج من النواميس الاجتماعيّة الّتي تحدّد حياة الفرد منذ ميلاده حتّى وفاته مرفوضة مسبّقا من كلّ المحيطين به و كأنّ الفرد يتحدّى القدر المرسوم في اللوح المحفوظ إذا فكّر لمجرّد لحظة في تغيير مجرى حياته. لذلك فإنّ الهجرة إلى الغرب هي الحلم الكبير الّذي يدغدغ أفئدة كلّ الشباب و كيف لا و هو يعلم أنّ الإبداع هناك غير معاقب عليه و أنّه يمكن له أن يحلم كما يريد و أن يسعى لتحقيق أحلامه الّتي تبدو تافهة لأبناء وطنه دون أن يتّهم بالجنون...
و قد وصل انعدام الإيمان في أنفسنا إلى درجة جعلتنا نشككّ في هويّتنا و ننكر عروبتنا و نتنكر لإسلامنا ونطالب بهويّة مستوردة لكي نتقدّم و أحسب أنّ أصحاب مثل هذه المقولات هم من بلغ منهم اليأس من هذا الشعب حدّا جعلهم يرون أنّ لكي يتقدّم فعليه أن ينقلب شعبا آخر و بعبارة أخرى فعليه أن يقتل نفسه كي يمكنه أن يتدرّج في سلّم الحداثة، و يرحم الله محمّد فاضل الجمّالي لمّا سئل إن كانت اللغة العربية تصلح للتدريس الجامعي فأجاب:"إنّه لما يحزّ في النفس ...أن يوجّه إلى عربي سؤال بهذه الصيغة و كان الأجدر أن يكون السؤال: هل يصلح العرب للبقاء في هذا العصر أم هم أجدر بالفناء؟".
أعتقد أنّه مهما رسمنا من مخطّطات دقيقة و مهما اخترنا من إيديولوجيات مغرية و مهما استوردنا من وسائل حديثة فأنّ كلّ هذا المجهود سيذهب هباء منثورا إذا كنّا نعتقد أنّنا بشر من درجة ثانية، من درجة وضيعة محكوم علينا أن نعيش ما عشنا قانعين مستهلكين نهذي بتقديس أجداد لنا بنوا حضارة عظيمة أو حتّى أسلاف أقرب من ذلك فنتحسّر على زمن الفنّ الجميل و زمن الزعماء الكبار( المفارقة أنّ هؤلاء الزعماء هم من صنعوا النكسة!) و نكرّر إلى حدّ الملل هذه الاسطوانة أو ننظر إلى الغرب المتقدّم الراقي نظرة المتأمّل في الشمس حتّى يعمى، و بين الأسلاف العظام و" الجيران" العظام نسترق اللحظ أحيانا إلى أنفسنا و نقارنها بهم فنجد أنفسنا نفاية أمامهم على أحسن تقدير إن لم نكن عدما فنرتعب و نكره أنفسنا . هذه هي النظرة الّتي نحملها عن أنفسنا و هذه هي النظرة الّتي منعت تقدّمنا و ستظلّ تمنعه، و هذه هي النظرة الّتي يجب أن تمحى من صدورنا و تجتثّ من جذورها و يعوّضها في النفوس "إيمان ساطع" بقدرتنا على أن نغيّر واقعنا و نتحكّم في مصيرنا و هو ما يستدعي النظر قبل كلّ شيء في جذور هذه النظرة ، الشيء الّذي يستوجب عملا أكثر تعمّقا و تفصيلا من هذه التدوينة "البرقيّة" التمهيديّة...

هناك 5 تعليقات:

HNANI يقول...

العقلية هي سبب التخلّف.. و عبارة "آش تخساب روحك" تدل علي أشياء عميقة في عقلية التونسي و هي جديرة بالدرس من الناحية السوسيولوجية و البسيكولوجية..
التونسي لا عندو ثيقة في روحو و لا في أي التونسي و الشيء هذا عندو أسبابو.

غير معرف يقول...

لقد فقأت أعيننا يا"أبو معاذ" للأنك تحس بالوضع التونسي العربي المسلم الّذي يصله كلّ شيء جاهز و في علبة مغلقة صالحة للإستهلاك . لا يهمّ ما في داخلها ولا يهم كيف صنعت و كيف وصلته و بأي ثمن ورّدت الأهم أن يستهلكها و يلتهمها دون عناء أو تفكير، لقد قدّر علينا أن نكون أغبياء إلي أن يأتي ما يخالف هذه الوضعيّة الوضيعة و يأتي جيلكم المتوقد حماسا و يغيّروا ما بنفوسنا بفرض سياسة شجاعة تقام علي فرض مقومات جريئة و فعالة تفتك بواقعنا الحالي المرير.

غير معرف يقول...

لقد فقأت أعيننا يا"أبو معاذ" للأنّك وضعت إصبعك علي الجرح الدامي وأحسستنا بوضعنا المدلهمّ القاتم وضع التونسي العربي المسلم الّذي يصله كلّ شيء جاهز و في علبة مغلقة صالحة و يفرض عليه إستهلاكه و إلاّ مات جوعا و قهرافلا يهمّ ما في داخلها ولا يهمّ كيف صنعت و كيف وصلته و بأي ثمن ورّدت الأهمّ أن يستهلكها و يلتهمها دون عناء أو تفكير، لقد قدّر علينا أن نكون أغبياء إلي أن يأتي ما يخالف هذه الوضعيّة الوضيعة و يأتي جيلكم المتوقد حماسا و يغيّروا ما بأنفسنا بفرض سياسة شجاعة تقام علي فرض مقومات جريئة و فعّالة تفتك بواقعنا الحالي المرير. علّنا نفيق من مماتنا.

غير معرف يقول...

لقد تابعت بكل إنتباه كلّ مدوناتك و شعرت بين أسطرها رغبتك الملحّة في التعامل مع مواضيع مختلفة و تشد القارئ بأسلوبك المرن الواضح محاولا في كلّ مرّة تمرير علومات مهمّة و حياتية و بتعريجك لكثير من الأمثلة التاريخيّة الأدبيّة الدينية الطريفة لدليل على خياراتك السليمة و المنتقاة رغم صغر سنّك، و كم أتمنّي أن تقع متابعتك من طرف أوليّ الأمر للأن في ذلك مصلحة للبلاد علي المدى البعيد، بالطبع فإنّي أؤكد على كلمة متابعتك لا تتبعك، فواصل يا "أبو معاذ" على هذا النسق و لن يكون لك الآ المصير الطيّب و ستجد ظالتك في ظلّ تواجد النوايا الحسنة.

غير معرف يقول...

Réflexion sur l’article « 2imeni sati3»
Personnellement, je trouve qu’en envisageant le problème de notre sous développement comme indiqué dans l’article ne peut clarifier la question : croire en nos moyens pour évoluer est une question purement théorique, abstraite qui ne peut être comprise et surtout appliqué. Je trouve que les individus être humains sont nés à capacités égales : le cerveau de l’être est standard qu’il s’agit d’un européen d’un américain ou d’un arabe. En effet, pour évoquer la question de la croyance en nos moyens (imen) et la conscience qu’on peut atteindre le développement dans tous les volets suppose qu’on souffre d’une anomalie qui nous enfreint d’une difficulté qu’on doit la surmonter avec la « foi » et la croyance en nos capacités, or ceci n’est pas le cas…Tous les peuples civilisés et développés n’ont pas passé leurs temps à croire mais ils ont agi et réagi.
C’est objectif et scientifique : Travailler son pays convenablement, respecter les lois et la morale, se comporter comme un responsable, être un élément positif dans la société…ne peuvent se concrétiser qu’en agissant. Ca n’apporte rien de demander à une personne qui crache dans la rue, qui brûle le feu, qui approuve de la paresse dans ses obligations professionnelles de croire pour qu’il change de comportement.
Nos sociétés souffrent de problèmes beaucoup plus vastes que « 3adam al imen fi anfoussina » nous sommes nés des êtres valables mais c’est avec l’éducation familiale puis scolaire puis social qu’apparaissent les vices et les anomalies. C’est tout un processus qui mène à la dégradation graduelle de nos mentalités et de nos esprits, donc agissons sur nos vices pour qu’on puisse sortir de l’impasse.