الاثنين، 18 أغسطس 2014

"موزار: أوبرا الروك"" عرض شبه محترف يختتم دورة استثنائية


قبل المرور إلى نظام الاحتراف، مرّت بطولة كرة القدم التونسية بمرحلة انتقالية أطلق عليها إسم مرحلة "اللاهواية" كانت منزلة بين المنزلتين، وسطا بين الهواية والاحتراف، إذ كان كلّ فريق ملزما بأن يكون عدد معيّن من لاعبيه محترفين في حين تتكوّن بقية الرصيد البشري من الهواة. ولعلّها كانت مرحلة ضرورية للانتقال إلى الاحتراف، ولكنها لم تكن تخلو من الغرابة باعتبار تعايش نمطين مختلفين دون حسم واضح لصالح أحدهما.

وهذه التناقض بين الهواية والاحتراف كان السمة المميّزة للعرض المقرّر لاختتام مهرجان قرطاج الدولي، فقد كان من الصعب تصنيفه ضمن العروض الهاوية أو المحترفة نظرا لأنّه احتوى على عناصر من كلا الصنفين، وإن كانت الكفّة تبدو أرجح لصالح الهواية.

أمّا عناصر الاحتراف، فيمكن أن نلمحها في العدد الكبير للعاملين على العرض: أوركسترا تتكوّن في أغلبها من عازفي كمنجة، فرقة روك، خمسة مغنّين، عدد محترم من تقنيي الإضاءة والصوت...وهذا ما كان يوحي بعرض ذي مستوى راق، ولكنّ عناصر الهواية كانت الأغلب.

كان السؤال الذي حيّرني طوال العرض: هل لهذه الأوبرا المزعومة مخرج؟ كان كلّ من المغنّين يصعد على الركح فيؤدّي أغنية دون أن يبالي كثيرا بتجسيد شخصيّته ثمّ يخرج وتصمت الموسيقى حتّى دخول من يتلوه، وكأنّ العرض مجموعة من الأغاني المنفصلة، لا أوبرا مترابطة الفقرات من المفروض أن تقص علينا قصة موزار. غاب التنسيق وبدا جليا أنّ كلّ فرد من المغنّين يرتجل حركاته، فمؤدّي شخصية موزار كانت حركته المميّزة الركض على غير هدى على الركح والقفز في الهواء أحيانا، تحت تصفيق وصرخات جزء كبير من الجمهور يبدو أنّه كان مستعدّا للتهليل لأيّ شيء. 

ويبدو أنّ المفاهيم الأساسية "أوبرا" و"أوبرا روك" كانت مفاهيم غير واضحة بالمرّة في أذهان أصحاب العمل، فالعمل الأوبرالي يتطلب حدا أدنى من القصّ المسرحي والحوار بين الشخصيات، لكن كان من الصعب تتبّع القصّة، أيّ قصّة، في العمل. أمّا عن الحوار، فيكفي القول أنّ موزار لم يدخل في حوار مع إحدى الشخصيات إلا في مناسبة واحدة قبل المشهد الختامي للدلالة على الضعف الفادح لهذا الجانب في العمل. وفيما يتعلّق بجانب "الروك"، فما قيل عن العرض أنِّه تزاوج بين الموسيقى السمفونية وموسيقى الروك، لكن طيلة الساعة الأولى من العرض، ما سمعته في جميع الأغنيات "دخلة" سمفونية يقطع عليها الروك الطريق لينتقل صوت الكمنجات إلى الظل. أما في نصف الساعة الأخيرة، فقد كان هناك محاولة لإيجاد توليفة بين النمطين كانت نتيجتها "زنزانة"كبيرة.

أما عن تعامل المغنين مع "الأوبرا" ومع الجمهور، فقد كان شبيها بذاك الذي عرفناه عن أشباه النجوم من الشرق: خطاب من طينة "تونس بلدي التاني" وتبادل للتحيات وسط العرض، وكأنهم غافلون تماما أن الجانب المسرحي للعرض يقتضي امتناعا تاما عن مثل هذه التصرفات البدائية، التي يمكن أن نضيف إليها أنّ أصواتهم عوّضها فيما يبدو البلاي باك في أحيان كثيرة. كما لم يمتنع أحد أفراد الأركسترا (التي تبين أنها تونسية) عن مغادرة مكانه وسط العرض (ربما لحاجات طبيعية !) ثم العودة إليه تحت أنظار الجمهور الذي خاله ممثلا ينضم إلى الفريق.
وهكذا أسدل الستار على دورة كان من المفترض أن تكون استثنائية بما أنها تختم نصف قرن من عمر المهرجان بعرض هو أقرب للهواية منه للاحتراف رغم الهالة التي أحيطت به والجوائز التي تحصّل عليها والتي قد تكون نتيجة جديّة أكبر تم بها العرض في "بلاد برّة" بعيدة تماما عن الاستسهال الكبير الذي نفّذ به في تونس، استسهال يصل إلى مرتبة قلة الاحترام لتونس وجمهورها.

ليست هناك تعليقات: