الجمعة، 29 أغسطس 2014

أمراء الليل

تنقضي فتوّة الشمس عندما يخالجها حياء. يحمرّ وجهها، وتبدأ بالبحث عمّا يواري سوأتها من العيون الملتهمة. تجد ملاذا لها تحت صفحة الماء أو خلف الجبال الصمّاء فترتمي هناك مذعورة. تنذر بعهدها الجديد الّذي سيبدأ مع قرن الغزالة.
يدخل الليل بخطوات متمهّلة، كأنّما يختبر وقع قدومه على من يشهدونه. حتّى إذا اطمئنّوا للسكينة التي تسري فيهم بعد ضجيج الأنوار، يعلن سلطانه اللامحدود على الكون. فيما مضى، لم يكن هناك ما يخالط كأس سطوته سوى طعم خفيف لقناديل مبعثرة ربّما لا تزيدها إلّا لذّة. أمّا اليوم، فقد أصبحت تفيض بأضواء تغلب على مذاقها وتكاد تذهب بنشوتها.

ينصّب على مملكته الشاسعة أمراء اجتمعوا على أن يكون هو لهم حياة. ولأنّهم لا يملكون من زاد سوى النجوى، يؤاخي بينهم وبين منارات السماء. يصغون لهم ويسمعون شكواهم. وتلفظ ربّة الظلام من عينيها هيبنوس ليقود حملته المظفّرة دائما على كلّ من لم يكلّل جبينه بتاج الإمارة، فيخمد كلّ نشاز، حتّى إذا لم يعد هناك مكان إلاّ للموسيقى الصغيرة، جلس هو كذلك يستمع إلى الحكايا ويسجّل منها على دفتره ما يكفي لتقصير أبديّته الطويلة.
وعلى الأنوار الشاحبة لإخوة أضناهم الدوران وزاحمتهم الأقذاء، يلاقي الأمراء شياطينهم المصفدة نهارا، ويلقون معهم النصف الآخر من أنفسهم، النصف الذّي يعمي عن النظر إليه ضوء الشمس. يخيطون تلك الأنصاف إليهم، فيكونون كلّا لسويعات. وبذلك الكلّ تسري الدماء بين عروقهم كما لم تسري من قبل: يتنفّسون، يتحرّكون، يضحكون، يبكون، يثملون، يصلّون، يصرخون، يعشقون...وتمضي تلك الحياة في خفاء إلاّ عن عيون الإخوة والشياطين والورق الأصمّ.
تفاجئهم دائما نهاية المملكة. لا يكونون أبدا مستعدّين لذلك السقوط. ينسج الضوء المتلصّص خيوطه حول النصف النابض فيعتمه شيئا فشيئا حتّى يغيب تماما إذا استوى على العرش مغتصبه. يودّعونه بصمت من يفقد نفسه، كأن لن يكون لقاء...

ليست هناك تعليقات: