الثلاثاء، 26 أغسطس 2014

عطر أنثى


كان يكفيه أنّها من فردوسه المفقود. لو عرف ذلك مسبّقا، لسعى إلى لقاءها بنفس أكثر انشراحا. ربّما كان اختار قميصا أكثر أناقة. ربّما كان أكثر من وضع عطره المفضّل. ربّما كان سأل أخته، بشيء من التوتّر الّذي يجتهد في إخفائه، عن رأيها في شكله. ربّما كان ألقى نظرة إلى المرآة قبل أن يخرج. لم يفعل شيئا من ذلك. نظر إلى ساعته في تبرّم وصفق الباب بقوّة كعادته عندما يضطرّ إلى فعل شيء بسبب الواجب ولا شيء غير الواجب. اضطرّ فيما بعد إلى الانتظار لعدّة دقائق حدّث نفسه فيها أنّه لا يأتي من ورائهنّ إلاّ وجع الدماغ. أقبلت تحثّ الخطى وهي تتمتم باسمة بكلمات اعتذار. دون أن يشعر وقف لاستقبالها. كان قد غفر لها قبل أن تنطق. منذ لمحها والفجر يلوح من شفتيها، صلّى في نفسه صلاة السكينة. لمّا مسّت يدها كفّه، سرت إليه كالعدوى ابتسامتها. لمّا نطقت، بلثغتها الظريفة، أيقن أنّه قطع المسافة كاملة من الضيق إلى الابتهاج في بضع ثوان.

لم يأخذ الواجب من لقاءهما سوى وقتا قصيرا. حرص هو على ذلك وانتقل بلباقة، تغيب عنه عادة، إلى حديث أكثر شخصيّة، ولم تمانع هي. سألها عن بلدتها، ولمّا أجابت، قال: "هذا يفسّر كلّ شيء". أغضت تخفي احمرار وجهها، وداخله شيء من ارتباك، إذ أدرك فجأة أنّه خطا عن غير وعي إلى الغزل. ولكنّه كان متوقّد البديهة في تلك الأمسية فلم ينثن. خاض بين قطع الرياض اللائي ملئن زهرا. طويت له الأرض في حديثهما ودنا بعيدُها، وكلّما انقضت أحدوثة، ودّ لو تعيدها...
لمّا ودّعها، تردّد في صدره قول إمرئ القيس:

أ لم ترياني كلّما جئت طارقا
وجدت بها طيبا وإن لم تطيّب
وما إن غابت عن ناظريه، حتّى وجد نفسه يطفو على غيمة من عطر.

ليست هناك تعليقات: