الاثنين، 24 مارس 2008

مخدّرات قانونية

تسمح بعض الدول ،كهولندا مثلا، باستهلاك بعض الأنواع من المخدّرات ممّا يعني أنّه يمكن في هذه البلدان للشخص أن يتعاطى مواد مخدّرة دون أن يخشى التعرّض إلى عقاب قانوني ما و يبرّر عادة هذا السماح بالليبراليّة الّتي تعطي للإنسان جميع الحريّات بما فيها حريّة أن يدمّر نفسه و لعلّ خطورة مثل هذا السماح تكمن في أنّ مستهلك المخدّرات لا يشعر بأنّه يرتكب خطأ إذ يمكنه الاستسلام لشهوة الانفلات من قيود الوعي دون أن يخشى عقابا، و لعلّه يفتخر بذلك على "سجناء الوعي" الّذين لا يسمحون لأنفسهم بالانعتاق من القيود الّتي تكبّلهم و لكن ان كان الاستهلاك غير معاقب عنه، فالأمر ليس كذلك بالنسبة للترويج الّذي يظلّ مجرّما و ذلك عكس بعض الدّول الّتي تحرص على توفير مقوّمات النشوة و الذّهول و الخروج عن الوعي لشعوبها بصورة دائمة اذ لا تفرض عقوبات لا على المستهلكين و لا على المروّجين بل أنّ هؤلاء يحظون بتقدير كبير و مكانة مرموقة و هم المعروفون عندنا بالمطربين و أصحاب "الطرب الأصيل"..
و حسب الأمثلة الّتي تعرض دوما كنماذج لهذا "الطرب الأصيل"، يبدو أنّ هذا المصطلح يشمل كلّ أغنية تدوم لمدّة طويلة و الّتي يتكرّر فيها المقطع الواحد عديد المرّات(تكفي في العادة لحفظ الأغنية من أوّل سماع) و لا يخرج موضوعها عن المعاني المتكرّرة و الممجوجة : الهجر و الصدود و العواذل و الحبّ الضائع و الرغبة في الوصل، وحتّى تعابيرها معروفة و محفوظة :" الغزال" و "القمر" و "البدر" و"غصن البان" و" روحي" و "حياتي" إضافة طبعا إلى "الليل" و "العين"، إلى درجة تجعل من الصعب التمييز بين مختلف هذه الأغاني و رغم ذلك يقابلها الجمهور في كلّ مرّة بصيحات الإعجاب و الاستحسان و التصفيق الحار كأنّه يسمع في كلّ مرّة فريدة عصره و لا غرابة في ذلك بما أنّه قد وضع تحت تأثير موسيقى من نسل ما عزفه الفارابي في ختام لقائه الأوّل بسيف الدّولة و تأثير مغنّ يتفنّن في ابراز امكانيّاته الصوتيّة(و هذه النوعيّة من الأغاني لا يميّزها سوى هذه الامكانيات الصوتيّ) و في اظهار التفاعل الشديد مع ما يؤدّيه و يتلاعب بالجمهور كيفما شاء، الجمهور الّذي يستولي عليه الذهول و يغرق في هذه النشوة إلى حدّ يجعله مسلوب الإرادة، غير قادر على التمييز بين غثّ المعاني و سمينه فيعيض لحظة من الغياب عن العالم يستيقظ منها و هو يعاني آثار الخُمار..
و أحبّاء "الطرب الأصيل" عريقون في الدّيمقراطيّة و حريّة التعبير اذ أنّهم يتمتّعون بالحقّ المطلق في نقد كلّ ما يصنّفونه خارج دائرة الطرب(في أغلب الأحيان هي "سخريّة عصبية" و ليست نقدا) و يترحّمون على زمن العمالقة، و لكن إذ اجترأ شخص على ذكر كلمة نقد واحدة في أحد المطربين العظام، فستكون الطامة الكبرى و داهية الدواهي و سيتّهم بالمسّ بالمقدّسات الفنيّة و الاضرار الفادح بالنظام العام الفنّي و ربّما بالتعامل مع أطراف أجنبيّة تريد طمس معالم هويّتنا الفنيّة الأصيلة.. أما "المطربون" الحاليون، فانّهم لا يحتاجون إلى كبير عمل اذ يكفي حفظ بعض الأغنيات القديمة من "زمن الفنّ الجميل" و الطواف بها في المهرجانات و الحضور في البرامج التلفزية و التباهي بالقدرات الصوتيّة الخارقة للعادة الّتي نوّه بها فلان و أثنى عليها علان و التحسّر على الحظ الأحرف و انحطاط الأذواق و تآمر المنحطّين فنيّا عليهم..
أجد من الصعب أن أعتبرهذا "الطرب الأصيل" فنّا بالمعنى الحقيقي للكلمة، لأنّ تخدير المجتمع و تنويمه و الإصرار على اغراقه في الغيبوبة لا يمكن أن يكون عملا ابداعيّا.. عندما يتحدّث البعض عن "الست" و يعتبرها، هزلا أو جدّا لست أدري، مسؤولة عن النكسة فإنّ في هذا القول جانبا من الصحّة، اذ الأمر لا يقتصر على مطرب بعينه بل الإقبال على هذه النوعيّة من الغناء هو مرآة لثقافة كاملة ترفض الوعي و تحرص على أن تغيب عن مشاكل واقعها بمختلف أنواع المخدّرات، ثقافة تكرّس الخمول و تؤمن بالحظّ(قرأت مرّة مقالا لصحفي شهير يهاجم فيه ماجدة الرومي، و هي من القلائل الّذين يمكن وصفهم بالفنّانين، و يتّهمها يضعف الامكانيات الصوتيّة و يمجّد أمينة فاخت و يلعن الحظ الّذي جعلها أقلّ شهرة منها) و تبكي على الأطلال و لا تحرص على حسن توظيف مواهبها.. الفنّ لا يمكن أن يكون مجرّد صوت جميل و كفى، صوت يؤدّي من الأغاني ما لا يلامس وجدانك أو يخاطب عواطفك أو يحرّك احساسك أو يعالج أيّ مشكلة من مشاكلك(في هذا الإطار، يمكن أن تكون أيّ أغنية مزود، النوعيّة الّتي بقيت مهمّشة طويلا، أرقى فنيّا ممّا يسمّونه طربا)..الفنّ، رسالة مقدّسة تهدف للرقيّ بالمجتمع و إصلاحه دفعه نحو الأفضل، رسالة ينبغي على حاملها الّذي ألقى الله في نفسه الموهبة أن يلتزم بها و يحارب دفاعا عنها و يصبر لنشرها صبر الأنبياء و إلا لن يكون جديرا بتلك الموهبة و يكون من الأفضل له و للجميع أن يجعلها نسيا منسيّا..

هناك 3 تعليقات:

HNANI يقول...

ya motoui, mochkilna fil fannanin fi kol ilmayadin illy ma7abich la yes7a wa la ikhalli iljom'hour yis7a .
7atta lin iljom'hour ma3adich i7ib yis7a bach ma youja3ich rasou.

غير معرف يقول...

une clarification:
la loi qui permet la consommation de la mariguana a été faite pour que les jeunes ne consomment pas la cocaine ou l'heroine, l amariguana est bcp moins dangereuse

HNANI يقول...

إلّي إهبّلني في الدول إلّي تسمح للناس باش ياخذو المخدّرات قويّة ولا خفيفة هي بيدها إلّي عاملة حملة و قانون لمنع السواقر.. أنا ساعات نهبل و ما نفهم شيء..زعمة السواقر أخطر مالمخدرات؟؟ولّا كل واحد شيطانو في جيبو؟