الأحد، 25 مايو 2008

نظرة في "أوبريت الضمير العربي"

لمّا قام الرحابنة بانجاز أغنية "راجعون" سنة 1957، اعتبرها النقّاد بمثابة الثورة في طريقة تناول القضيّة الفلسطينيّة إذ تمّ الخروج من معجم البكاء و الندب و التحسّر على الأرض الضائعة إلى الحديث عن الأمل و الثورة و التمرّد و الثقة في العودة الأكيدة و قد تأكّد هذا الاتّجاه في الأعمال اللاحقة للرحابنة التي كان من أبرزها "زهرة المدائن"...
في الحقيقة لا أعرف شيئا عن الأعمال السابقة لـ1957 حتّى يمكن لي التأكّد من صحّة هذا القول و لكن أعتقد أنّه كان من الطبيعي أن يكون ردّ الفعل التلقائي على النكبة هو الحزن و ذرف الدموع قبل أن يستيقظ الوعي في اتّجاه التفكير في استعادة الأرض المسلوبة.. و لكن عندما شاهدت "أوبريت الضمير العربي" الّتي حدّثت عنها طويلا و أحيط بهالة من المدح و التقريظ دون أن تتسنّى لي مشاهدته سوى منذ أيام أحسست بأنّ أكثر من خمسين سنة من الارتقاء في المعالجة الفنيّة قد قوّضت لنعود إلى الوراء، إلى النواح و البكاء... شعرت أنّني أشاهد عملا من تلك الأعمال البدائيّة الّتي أسعفني الزمان بعدم مشاهدتها ..
زعم أحد مؤلّفي الأوبريت (الشاعر المصري سيّد شوقي) أنّ "الهدف الحقيقي من الأوبريت التركيز على ضرورة استيقاظ الضمير العربي..." و لكن بالنظر في الكلمات، لم أجد شيئا من الممكن أن يساهم فعلا في إيقاظ هذا الضمير، فما يغلب على العمل هو ذكر الموت، فرغم أنّه وقعت الإشارة في أحد المقاطع إلى استحالة موت الضمير العربي إلا أنّ هذا كان في تناقض مع النزعة الغالبة على "الأوبريت" الّتي تبدو في اللازمة نفسها:
"ماتت قلوب الناس..ماتت بنا النخوة
يمكن نسينا في يوم..إنّ العرب إخوة
"
و يتأكّد من خلال باقي المقاطع كما هو الحال في هذا المقطع:
" مات الإحساس جوانا..و لا إحنا الّلي أموات
و لا ضمير العالم..خلاص إحساسه مات
"
و أتساءل : إذا كان الشاعر يؤمن أنّ عمله مساهمة في صحوة الضمير، لماذا ينعى في عمله هذا الضمير؟ هل سيحيي ما يعتقد في قرارة نفسه أنّه مات و أصبح رمّة بالية؟ أعتقد أنّ هذا العمل كان ندبا للضمير العربي أكثر ممّا كان رغبة في إيقاظه، فمعجم الصحوة و إن كان موجودا فإنّ حضوره كان باهتا للغاية و بعبارات غاية في السذاجة كـ"لازم نكون صاحيين"، " أيقظ ضمير الأمّة"، "صحّي قلوب الناس"...(كأنّه يكفي أن تقول للضمير اصح فيفيق) و هذه السذاجة كانت سمة غالبة على كامل "الأوبريت" الّتي بدت لي جديرة بأن يغنّيها شعبان عبد الرحيم(مع احترامي له). لست ضدّ البساطة بل بالعكس هي محبّذة في مثل هذه المواقف حتّى يمكن للعمل أن يصل إلى الجميع و لكن أن تتحوّل البساطة إلى عبارات شعاراتيّة فارغة جوفاء فقط ليقال أنّ العمل مساهمة في صحوة الضمير فإنّ ذلك يكون نوعا من المتاجرة بالقضيّة و هو ما يتأكّد من خلال نوعيّة "الفنّانين" المشاركين في هذا العمل فهم ليسوا بالضبط ، على الأقل في أغلبيّتهم الساحقة، من نوع الفنّانين الملتزمين الّذين يودّون تبليغ رسالة ما بل هم من النوع الّذي هوجم مرارا من قبل النقّاد بسبب ضعف أدائه الفنّي(حتّى لا نقول شيئا آخر).. منهم من لم أسمع عنهم قطّ قبل هذا العمل و أنا على يقين أنّهم سيضيفون إلى سيرهم الذاتيّة مشاركتهم في هذا العمل و يصرّون بسبب ذلك على منحهم لقب المناضل.
من الناحية الدرامية، احتوت "الأوبريت" على مشاهد تلخّص تطوّر الأوضاع العربيّة و هي مشاهد كان شبح الموت حاضرا في جميعه و هي و الحقّ يقال مشاهد مؤثّرة للغاية قادرة أن تستدرّ معين الدموع في قلب كلّ عربي و لكن أشكّ في كونها قادرة على أن تساهم في إحياء الضمير العربي. هي مشاهد نراها و أمثالها في كلّ شريط أخبار. قد نتأثّر بها لحظتها و لكن سرعان ما ننساها لأنّنا تعوّدنا عليها و التعوّد على الشيء ينسيك قيمته و كما قالت ماجدة الرومي في حديث مع قناة عربيّة:" نحن شعب تخدّر بالموت حتّى لم يعد يؤثّر فينا". طغت هذه المشاهد على العمل و جعلته شريطا وثائقيّا تتخلّله بعض الأغنيات و هو ما حطّ من قيمة "الأوبريت" الّتي من المفروض أن تكون عملا غنائيا بالدرجة الأولى.
على المستوى "التقني"، هناك ملاحظة تخصّ اللازمة الّتي أعيدت طوال العمل إلى حدّ الإضجار و من المفروض أن تكون ذات مستوى جيّد أو أن تكون على الأقلّ سليمة خالية من الأخطاء حتّى يمكن أن تحفظ و تردّد و لكنّها لم تكن كذلك و أعني بالتحديد عبارة "ماتت بنا النخوة".. سمعتها لأوّل مرّة "ماتت من النخوة" و لم أفهم كيف يمكن أن تقتل النخوة صاحبها و لمّا سمعتها بالشكل الصحيح زادت دهشتي. غنيّ عن الذكر أنّ التعبير الصحيح هو "ماتت فيها النخوة" و لا يمكن أن يكون تعويض "فيها" بـ"بها" إلا جوازا شعريّا سيّئا للغاية لا يمكن للشاعر أن يستعمله عادة إلا ضرورة و بكثير من التردّد، فما بالك إن تعلّق الأمر بلازمة عمل "نضالي"؟
اُريدَ لهذا العمل أن يكون نسخة ثانية من "الحلم العربي" و لكنّه كان أدنى منه بكثير من حيث القيمة الفنيّة و إعلانا مصطبغا بلون اليأس و القنوط عن موت الحلم. قد تكون نيّة أصحاب العمل حسنة و لكنّ حسن النوايا وحده لا يمكن له أبدا أن يبني عملا فنّيّا جيّدا.

هناك 3 تعليقات:

غير معرف يقول...

الحمد للّه أنّك عدت للكتابة يا "أبو معاذ" للأنّ مدونتك الأخيرة لم ترق لي و جعلتني أشعر بشيء بالخيبة و انّي أشكر الغير معرّف به الذي تناول نقدك بنفس الطريقة الّتى كنت أنوى إنتقادك بها فشكرا جزيلا له للأنه وفّر أقول فيك ـو لو في صالحكـ ما قد يعكّر صفوك. أعود الأن لمدونتك الجديدة فهي رائعة جدّا و تدلّ دلالة واضحة علي نضجك و سلامة إتّجهاتك و الّتي أتمنّى أن تكون معدية و تضرب صميم الضمير العربي الّذى أصبح أصمّ، أبله، أعمى مغشيا عليه أكثر من ستّين سنة، فباللّه عليك كيف و بأيّ طريقة سيفيق و يفتح عينيه و يرى النور و الشمس و الأفق هذا من تعوّد علي القمة الرخيصة الّتي تأتيه من أسياده دون عناء و لا جهد و يعتقد أنّه نجح في نيل مبتغاه و لكن بأي صورة، إنّها صورة الضمير العربي.أشكرك ثانية و ثالثة يا "أبو معاذ" للأنّك نجحت في إيقاظ شعرة سيدنا علي عنديى

غير معرف يقول...

لقد أستفقتني و أنا في نوم معمّق إذ دفنت منذ أجيال مادّة قد تسمّى "الضمير العربي" فالضمير العربي قد بيع بلا مقابل بل لم يعد يجد من يشتريه و لو "بلّوشي" للأنّ ليس ما فيه ما يستغلّ فهو كالطبل يلعب علي الواجهتين بدون روح فيخسر و لا أحد يتحرّق على النتيجة. للأعود لممقالك فهو بصريح العبارة قيّم و مفيد و يستحقّ التنويه للأنّه يبعث في قارئه نوع من الإثارة و يجبره على التحرّك، قلت أنّ كلمات "اوبريت الضمير العربي" كلّها بكاء و نواح و موت و جوع و قهر و مزيرية و شقاء و حرمان و هذا سيزيدنا آلاما على آلامنا هذا إن كنّا نحسّ باللألم لللأنّنا تعودنا عليه و أصبح ممارسة عادية بغيابهالن نرتاح و لن نستريح بل نرقص و نردّد كلمات البؤس و التعاسة و نحن في نخوة و هستيريا و سعادة غير عادية على غرار جمهور قرطاج الراقص على نغمات و كلمات...و على كتفي نعشي....فهل مازلت تتنتظر صحوة للضميرالعربي...لشعب يتفنّن و يتمتّع و يترنّم بالموت بل قل هو لا تعنيه الموت بقدر ما يعنيه "تخديم حزامه" فهذه الكلمة السر التي تجمع شمل الأمّة العربيّة و توحّد صفوفها ألا و هي "خدمة الحزام" فبها سيكون لنا شأن عظيم.

غير معرف يقول...

ابو معاذ ... قلمك رائع وجميل يحمل معه الفكر الكبير الناضج ... اتفق معك في الموضوع شـ كلاً و مضموناً ... لكن اختلف معك في اختيار الاشخاص والمكان والجوهر ... فأعتقد انك عندما توجــه هذه الرساله الى الضمير العربي .. وانت تـ حرق بقلمك الاخضر واليابس من اوبريت الضمير العرببي ... فقط لأنه حمل رساله انا اعتبرها إيجابيه .. دون الخوض في تفاصيلها ..وطريقةتوجيهه لا اعرف سبب النقد المقذع لك ... وكأنهم أرتكبوا جريمة اكبر من الاحتلال الصهيوني ..وانت تتحدث عن هذه الفكرهـ شعرت ان المنهج الذي سنتبعه في حياتنا القادمه نستقيه من اوربيت الضمير العربي ... ونسيت ان افكارنا و تغيرها ... يتم بشئ أكبر من اوربيت خيري ذهب ريعه الى الجميعات الخيريه ... فقد غلب على كلامك عزيزي كلمة السـ ذاجه مراراً وكأنك تناقش فـكرهـ سـ تجني منها الارباح وتخاف من الخسارهـ بسبب السذاجه ... فقد تحدثت حديث جميل وعن الضمير وهـو ما يجب ان يكون الاساس لدينا ... وفجأه انتقلت الى التحليل الفني ... وعن الالتزام .. ونسيت عن الرساله الطيبه لا تحتاج الى نبي او شيخ او انسان ملتزم ... حتى يرسلها الى الاشخاص ... انا ارى انا الخوض في النوايا لن تجني منه شئ ... وان الفنان يفكر في المدى البعيد ... وما سـ يجنيه لاحقاً فـ هذا الفنان حـ ضر بالمجان من بلاده وادى مقطع لا يتجاوز الدقيقه ...خذ الامور بظاهرها .. واحسن الظن باي شخص فان بعض الظن اثم ... كما ان هناك فنانين غير معروفين كان هناك فنانين اشهر من نار على علم ... وحديثك ان الفنانين لا يـمتلكون رساله ... اعذرني .. فـ مثلاً نانسي عجرم وجهت قبلها رساله الى العالم ... وانا شخصياً تغيرت نـ ظرتي اليها بإعتبار كانت السطحيه غالبه عندها ... أخي العزيز قلمك رائع لكن رأيتك تثور في وجه شخص معتر ومسكين ... وترك من يتبطح أمام الرئيس الامريكي والصهيوني ... كأنه لبوهـ .... واتمنى الا تركز على أوبريت وكأنه عقيدهـ سماويه يجب التقيد بها .. فأفكرنا اكررها يجب ان تكون بـ شئ اكبر ... اتمنى ان تتقبل نقدي بصدر رحب فأنت اخ عزيز وتشرفت بك .. دمت مبدعاً