الجمعة، 9 يوليو 2021

ما ‏كنتُ ‏من ‏الثائرين... ‏مسارات ‏شخصية ‏في ‏عشرية ‏الثورة ‏(الجزء ‏الثالث)

 


مسألة استمراريّة الدولة

رغم ارتباك محمد الغنوشي، ساندت بقاءه على رأس الحكومة، لسبب بسيط: استمرارية الدولة. في ذلك الظرف العصيب، لم يكن هناك أيّ شيء واضح: بدا أنّ الدولة تلفظ كل مشروعية لها وكنت أفزع من أن نشهد، ولو لمدة قصيرة، اضمحلالها فنسير إلى ما يشبه السيناريو الصومالي. كان الهاجس الذي يسيطر عليّ وقتها كيف ننهي تلك المرحلة بسلام، ثم ستأتي بقية ترتيبات إرساء نظام ديمقراطي، وعلى رأسها الانتخابات.

لكن لم يكن مثل هذا الرأي يحظى بشعبية كبيرة آنذاك. قام اعتصام القصبة 1 بالأساس على المطالبة برحيل كل رموز النظام السابق، وفي الحقيقة، كان الغنوشي استبقى عددا كبيرا منهم في حكومته الأولى بعد 14 جانفي. بالنسبة لي، كان وجود أحمد نجيب الشابي والمرحوم أحمد إبراهيم في الحكومة أحد أهم الضمانات، بما أنهما كانا دائما في صفّ معارضة النظام. لم أستسغ رفض مصطفى بن جعفر المشاركة في الحكومة، ويبدو لي الآن أنّ تصدّع العائلة الديمقراطية الاجتماعية بدأ وقتها، بين اتّجاه يتبنّى مقاربة تدرّجية لا تقطع فورا مع الماضي، واتّجاه يبني مقاربته على مسايرة الشارع حتى وإن لم تعرف عنه الراديكالية سابقا.

في تلك الفترة شديدة التشنّج، كتبت ما أعتبره أجرأ مقالاتي وكان بعنوان "حتى لا تنحرف الثورة" وكان مضادا للرؤى الاستئصالية السائدة آنذاك دعوت فيه، بعد الإقرار بكلّ الفساد والانحرافات الّتي عرفها التجمع الدستوري الديمقراطي، إلى التريّث قبل الحكم على محمد الغنوشي الذي لم يعرف عنه ضلوع في الفساد، وينطبق ذلك على جميع الكفاءات التي لم يكن لها خيار فعلا في الانضمام إلى الحزب-الدولة.

لو عدت إلى تلك اللحظة، لست متأكدا أني كنت لأكتب ذلك المقال. لم أعد أؤمن بدولة لا تحترم مواطنيها، ولا يبدو أنها تسير أبدا في ذلك الاتّجاه. كانت اللحظة مناسبة لإعادة تأسيس حقيقي للعلاقة بين الدولة والمواطن، لا التأسيس الشكلاني القانوني الذي حدث مع المجلس الوطني التأسيسي.

ليست هناك تعليقات: