الأربعاء، 7 يوليو 2021

ما ‏كنتُ ‏من ‏الثائرين... ‏مسارات ‏شخصية ‏في ‏عشرية ‏الثورة ‏(الجزء ‏الثاني)

صورة لي في حراسة الحومة نشرت بمجلة l'humanité dimanche يوم 20جانفي 2011

يوم 14 جانفي
مساء 14 جانفي، بقيت كالكثيرين أتابع الأخبار. لا طبعا عن طريقها الرسمي، الذي لم يكن يعني شيئا، وإنما من خلال الفايسبوك والقنوات الإخبارية العربية. لمّا جاء الخبر عن فرار بن علي، لم أشعر بالفرحة قدر ما أصابني الوجوم. لماذا هرب؟ (ولا أعرف إلى الآن جوابا عن ذلك) هل ينوي العودة؟ لمن ترك البلاد؟ فيديو عبد الناصر العويني وهو يصرخ في شارع الحبيب بورقيبة أثّر فيّ كثيرا، لكن لم يكن من الممكن الوقوف لاستيعاب تلك اللحظة، لأنّ الأحداث ستتسارع بشكل مجنون منذ ذلك الحين. جاء محمد الغنوشي ليعلن تسلّمه الرئاسة بصفة وقتية وفق الفصل 56 من الدستور. لم أفهم، وأنا القانونجي الجديد، ما يحدث. هذا الفصل كان يعني أنّ بن علي فوّضه لذلك، وهو ما لم يكن بطبيعة الحال أمرا مقبولا. كان ترقيعا أخرق لفرار الرئيس، وفي حقيقة الأمر، لم يكن محمد الغنوشي رجل سياسة وكان أبعد الناس أن يكون رجل المرحلة. المهمّ أن الأمر وقع تداركه صباح الغد بإعلان المجلس الدستوري شغور منصب الرئاسة بشكل دائم وتولي فؤاد المبزّع مهامها. لكن كانت تلك الليلة كانت من أصعب الفترات في تاريخ تونس المعاصر. هي ليلة غابت فيها الدولة، وأخذ المواطنون بزمام الأمور. مع ما كان يبلغنا من أخبار عن عمليات النهب والتدمير وتضخم الإشاعات عن القناصة، تولّى الشعب زمام أمنه بيديه. كنت، مسلّحا بزلاط، واحدا من آلاف المواطنين الذين نزلوا إلى الشوارع لحماية أحيائهم. تلك اللحظة كانت من أكثر ما منحني أملا في الشعب التونسي، فعندما توارى جهاز الأمن الرسمي صاحب اليد الطولى في الممارسات القمعية، برهن التونسيون عموما عن روح  تضامنية وتنظيمية عالية. بدا وكأنّ قبضة الدولة هي ما كانت تخنق هذه الروح. من المؤسف أنه لم يقع البناء على هذه اللحظة، سوى ما كان من ممارسات شعبوية انحرافية كرابطات حماية الثورة. ربما لا تكون أفكار قيس سعيّد في البناء من الأسفل سوى محاولة لاستعادة نقاء تلك اللحظة.

ليست هناك تعليقات: