الخميس، 6 فبراير 2020

هل من معنى للحديث عن التطبيع الرياضي؟


ككلّ مرّة، يعود الجدل حول التطبيع حينما تُوقعنا "صدفة" ما في لقاء رياضي مع الكيان الغاصب. وهذا ما حصل عندما "فوجئنا" أنّ القرعة أوقعت المنتخب الوطني للتنس (سيّدات) في مواجهة غير محبّذة بالمرّة. لعبت أنس جابر وشيراز البشري، وانتصرتا. لكنّ هذا لم يمنع وزارة الشؤون الخارجية من إصدار بيان يدين هذا اللون من "التطبيع" ويذكّر بـ"مواقف تونس الثابتة". وتجنّد الرأي العام بين مدافع ومخوّن، في معركة كلامية داخلية تكشف ولا شكّ هلاميّة الطرح كلّما تعلّق الأمر بمسألة على هذه الشاكلة.
من دواعي السخرية أن نتحدّث عن عنصر المفاجأة. يُشارك في هذه الدورة من "فيد كاب" في هلسنكي الفنلندية ثمانية فرق من مجموعة افريقيا وأروبا تقسّمهم القرعة إلى مجموعتين. يعني ذلك أنّ نسبة وقوعنا في نفس مجموعة إسرائيل كانت وافرة للغاية، حتّى قبل أن نذهب. إذن كان علينا منذ البداية أن نختار: إمّا ألّا نذهب، وإمّا أن نعدّ مسبقا موقفا لمثل هذه الفرضية غير المستبعدة بالمرّة، لا أن نرتبك ونرتجل المواقف في آخر لحظة. طبعا قد يبدو خيار "ألّا نذهب" غير معقول، ولكن إذا كانت مواقفنا ثابتة حقّا إلى هذا الحدّ، فمن المفترض أن نمتنع عن المشاركة في أيّ تظاهرة رياضية يمكن أن تجمع ممثّلي تونس بممثّلي الكيان الغاصب. بل لو شئنا التعمّق أكثر، فمن المفترض أن نسحب عضويّتنا من كلّ اتحاد رياضي يقبل إسرائيل عضوا فيه. أليس القبول بعضوية اسرائيل في اتحاد التنس الدولي تطبيعا من الأساس؟ ولنتصوّر أنّ المسألة طُرحت في رياضة أكثر شعبية. ماذا لو أنّ القرعة أوقعت مثلا منتخب كرة القدم مع إسرائيل في إحدى مجموعات كأس العالم، بعد مشوار ترشّح مضن؟ هل كنّا لنطلب منهم الانسحاب بهذه السهولة ونأسف لهذه الصدفة اللعينة؟  أم أنّنا نستقوي فقط على فتيات يمارسن رياضة غير شعبية؟ وماذا لو جمعت "الصدفة" رياضيا تونسيا بآخر من إسرائيل في الدور النهائي من رياضة ما خلال الألعاب الأولمبية؟ هل نطلب منه الانسحاب ونخسر ميدالية مستحقة تضاف لرصيدنا الضعيف أصلا؟
كلّ المواقف المذكورة واردة. تحقّقها يبقى فقط رهين بعض الحظّ. عوض أن ننتظر وقوعها لنصيح ونندّد ونستنكر ونخوّن، من المفروض أن يكون لنا اتّجاه واضح لا ننتظر لتحديده شيئا من الصدفة. هذا الاتّجاه لا يمكن أن يخرج عن ثلاث:
1- أن تعلن تونس، من جانب واحد، انسحابها من جميع الاتحادات الرياضية التي تضمّ إسرائيل ضمن أعضائها. طبعا سيعني هذا عزلة رياضية دولية، ولن يحذو على الأرجح حذونا أيّ بلد صديق أو شقيق، لكن ماذا يهم؟ المهمّ فقط أن تحافظ تونس على "مواقفها الثابتة".
2- أن تنسّق تونس مع البلدان التي تشاركها نفس الموقف من القضية الفلسطينية للضغط على الاتحادات الرياضية الدولية لطرد إسرائيل من عضويتها. ليس ذلك بأمر مستحيل، وسبق ان تحقّق مثله، فجنوب افريقيا، وقت نظام الميز العنصري، كانت محظورة من المشاركة الدولية في أغلب الرياضات وحتى من المشاركة في الألعاب الأولمبية منذ 1960 وحتى 1992. من المفترض أنّ قوّة العدد (الدول العربية والإسلامية ودول الجنوب) تمكّن من تسليط ضغط كاف في هذا الصدد. لكنّ ذلك يتطلّب تنسيقا دبلوماسيا كبيرا ومواجهة لضغوط دولية لا أحد مستعدّ حقّا لتحمّلها، في الوقت الحاضر على الأقل.
3- أن نعتبر أنّ الرياضة لا تعني أكثر من الرياضة، فلا نحمّل بذلك رياضيينا عبئا سياسيا في كلّ مواجهة، ولا نتهّمهم بالاعتراف بإسرائيل، وهو اعتراف لا هم قاموا به، ولا احتاجته إسرائيل منّا لتنشط رياضيا على المستوى الدولي. كلّ ما يمكن أن نطلبه منهم هو أن يبذلوا جهدا مضاعفا لتحقيق ولو انتصار رمزي بسيط في زمن عزّت فيه الانتصارات، وهو ما قامت به باقتدار أنس وشيراز. حظّا طيّبا لهما ولكلّ الفريق في بقية المشوار!

ليست هناك تعليقات: