الاثنين، 17 فبراير 2020

ما الذي تغيّر بعد مشاهدة الخطّاب على الباب للمرّة الألف؟ 4/3

أحمد وفاطمة: حبّ فوق الغيوم
تضفي علاقة أحمد بفاطمة على المسلسل طابعا رومنسيا مثاليا، لا علاقة له بالمرّة بالواقع وإكراهاته. يبدأ الإعجاب بينهما بتأثير تقارب الميول الأدبية، دون أن تكون لأيّ منهما معرفة عميقة بالآخر. تشكّل حادثة سوسة علامة فارقة تكشف عن هشاشة ما بينهما. يخترع أحمد في ذهنه وهم خيانة، ويغرق في الاكتئاب. عندما يلتقيان، تبدو المفارقة. لم يتعلّق الأمر بأكثر من سوء تفاهم بسيط، كان من الممكن حلّه بسهولة لو استمع كلّ منهما إلى الآخر، لكنهما يتشنجان بشكل غير مفهوم: أحمد يصرخ في وجهها ويتّهمها بأنّها تتلاعب به وبعواطفه، وهي تردّ كذلك بالصراخ وتتهّمه أنّه سطحي وساذج، ثمّ تخرج عن لغتها المتفاصحة لتقول له أنّه "جلف". تسود القطيعة بينهما لعدّة حلقات، ثمّ يلين قلب فاطمة، لا لأنّهما تحاورا وتصارحا وأزالا كلّ لبس، بل لأنّه أرسل إليها قصيدة! 
إنّ أحمد وفاطمة نموذجان للمثقّف (أو "الثقفوت" ربّما) الّذين يطيب له عيش الدور وبناء صروح من الخيال، دون أن يكون لها أيّ أساس، بل ويصل الأمر حتّى اختلاق المظلومية والشعور بالاضطهاد. يبدو ذلك جليّا في حديث فاطمة عن "الغربة الروحية" و"الفقر العاطفي" أمام دهشة أبيها. نرى ذلك أيضا في شكوى أحمد المتكرّرة من أمّه ومن عثمان الّلذين يودّان "أن يسطّرا مستقبله"، في حين أنّ القرار كان دائما بيده وحده. لنقارن هنا بينه وبين صفيّة عندما رغبت أن تخرج إلى العمل: هي حزمت أمرها وقرّرت التخلّي عن رفاهية العيش وتحدّت التقاليد المحافظة فقط لتثبت ذاتها وأبت المساومة على ذلك، أمّا هو فقد ظلّ متخبّطا بين استلام ضيعة جدّه وبين المضيّ في مستقبله الأدبي، ثمّ نزع إلى الهروب فغادر إلى العاصمة، قبل أن يذعن للضغوط ويتخلّى عن أحلامه ليعود فلّاحا (وهو كحميه لا يعرف عن الفلاحة شيئا).
تتبدّى هشاشة العلاقة بين أحمد وفاطمة مجدّدا عندما تدخل روضة على الخطّ. أعجبت روضة بأحمد، ولعلّها اصطادت بذكائها العملي هذه الهشاشة، فلم تمنع نفسها من ملاحقة الشاعر الحالم مستعينة بجرأتها وثقتها الكبيرتين. يبدو أنّ أحمد، على الأرجح، استطاب ذلك، فرغم أنّ ميلها إليه كان واضحا للعيان، فإنّه في البداية لم يصدّها، بل يمكن القول أنّه شجّعها ضمنيّا: رحّب بفكرة البرنامج المخصّص له، وأرسلها لتستعيد مجموعته الشعرية من فاطمة دون أن يُعلم هذه الأخيرة، وانبرى لتشييع روضة ليلا، رغم أنّ عبودة كان قد تطوّع لذلك، ولمّا فوجئ بفاطمة أمامه ارتبك (حتّى سقطت منه السيجارة) كمن قُبض عليه متلبّسا.
كان من الطبيعي أن تستثير هذه العلاقة انتباه فاطمة. شعور الغيرة طبيعي جدّا في مثل هذه المواقف، فكيف إذا أصاب أرستقراطية مدلّلة تجد فجأة مكانتها لدى رجلها محلّ منافسة من فتاة ذات جمال وثقافة وذكاء؟ الغالب على الظنّ أنّ ذهابها المفاجئ إلى باجة لسبب غير وجيه (إيصال مراسلة إلى أحمد) كان لغاية أن تظهر لخطيبها أنّها قادرة على أن "تتمرمد" لأجله. على أنّ "نضالها" هذا لم يستمرّ طويلا: ما إن لقيت جفاء من حماتها حتّى ضاقت ذرعا من خطيبها (الذي لا ذنب له في هذا الجفاء، وإن فتح هروبه المجال للأقاويل) وظلّت تنأى عنه حتّى الحلقات الأخيرة.
يمكن أن نقول أنّ علاقة أحمد بفاطمة هي علاقة بين مثقّفين مُرفّهين يعيشان في برجهما العاجي وجد كلّ منهما في الآخر ما يشبع لديه مُثُل الحبّ الرومنسيّة. لم نر بينهما في أيّ موقف ما يكشف عن تفاهم عميق يعبّر عن معرفة خبيرة لأحدهما بدقائق شخصيّة الآخر. لو كان قُيّض للمسلسل أن يستمرّ أكثر فنراهما بعد الزواج، ربّما كنّا لنرى هذه العلاقة فوق الغيوم تصدم بالواقع، ولعلّها كانت تلقى صعوبات لمجرّد الاستمرار.

هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...

جيّد جدّا هذا التحليل الذي ينبّه إلى أخطاء السلوك في العلاقات الاجتماعية حيث نحافظ عليها مع علمنا بأنّها ضرر مضيّع للعمر ولست حجج لكتابة الشعر المتوقد بالأحاسيس...
هل نحن بحاجة لاختراع الألم والحيرة كي نكتب شعرا فيهما...