الخميس، 9 أغسطس 2012

ألبوم “غزل” لماجدة الرومي: لم يكن المطر زخّات…


أدمن أحبّاء ماجدة الرومي انتظار جديدها…فآخر ألبوماتها “اعتزلت الغرام” يعود إلى سنة 2006. منذ عام تقريبا، كانت البشارات تتوالى بقرب صدور الألبوم الجديد  غير أنّها كانت جميعها وعود الكمّون بالسقي. ورغم طول الفترة، مازجت مرارة الترقّب حلاوة الشوق…الشوق لزخات مطر تجود بها ديمة، إسمها والرقيّ مترادفان، في أرض تصحّرت، أو تكاد، من الفنّانين. واستجيب للمستسقين، فخرج الألبوم الجديد الّذي يحمل عنوان “غزل” إلى الأسواق منذ بضعة أسابيع.
غير أنّ المطر كان رذاذا… فالألبوم لم يكن جديدا إلا مجازا. فمن مجموع أربع عشرة أغنية، نجد سبع أغنيات يعود تاريخها إلى ثلاث سنوات أو أكثر. بل أنّ بعضها أصبح ركنا شبه قار في الحفلات الّتي تؤدّيها ماجدة الرومي منذ فترة. ويلفت الانتباه منذ البداية الإسم الباهت للألبوم. لا بحث ولا ابتكار في اختياره (ولعلّه لم يتطلّب سوى بضع ثوان)، بل أنّه لا يحيط موضوعا بجميع أغاني الألبوم، فأربع منها بعيدة كلّ البعد عن الغزل. ربّما كان من الأجدى أن يعنون الألبوم، كسابقيه، باسم إحدى الأغنيات الواردة فيه عوض إيراد إسم يكاد يخلو من المعنى.
أربع من الأغنيات القديمة أدّتها ماجدة الرومي في حفل البيال سنة 2009، ويتعلّق الأمر بـ”العالم النا” و “ما تقلّي حبيتا” و”ملك قلبي” و”نشيد الشهداء”. وهذه الأغنيات كانت ذروة عطاء ماجدة في السنين الأخيرة وكان من شأنها أن تكون النجوم الّتي تضيء سماء الشريط “الجديد”، لولا أنّه ليست جديدة ! وقد صاحبت بعضها تغييرات غير مفهومة مقارنة بنسختها الأصليّة، فـ”العالم النا”، وهي انتقاء فائق العناية للكلمات جعلت الفالس المشهور لديمتري شوستاكوفيتش يبدو كأنّه ألّف خصّيصا لماجدة، عرفت تحويرا غير مبرّر للكلمات (من “إني حب” إلى “هيك الحب”، و من”الليل المجنون مطيّرنا” إلى “الليل المجنون  مغازلنا” وإضافة نافرة لهمهمة المجموعة الصوتيّة في البداية، بحيث تظلّ النسخة الأولى الّتي قدّمت في البيال أجمل في بثّها المباشر النابض بالحياة مع الأركستر السمفوني البيلاروسي ومع دهشة التذوّق الأوّل لرائعة فنيّة. أمّا “ملك قلبي” فقد عرفت بعض التكثيف لاستخدام الأكورديون في بعض مقاطعها وصوتا مرتفعا للإيقاع في مقاطع أخرى ممّا أضفى طابعا آليّا خنق روح الأغنية. وفي “ما تقلّي حبيتا”، تغيّرت  ”صارت همّك الوحيد” إلى “طاير بحبّها وسعيد”، وطغى الإيقاع أحيانا على هذه الأغنية الطريفة.
وإضافة إلى أغاني حفل البيال، تشمل الأغاني القديمة كلّا من “ما رح ازعل ع شي” و “يلادي أنا” و “سلونا”. ورغم أنّ “ما رح ازعل ع شي” سابقة في أدائها الأوّل لحفل البيال، فإنّ لسماعها لذّة لا تنضب، فقد كتبت ماجدة كلماتها بمداد من دمها (رغم بساطتها وبعض التعبيرات غير الموفّقة) يصاحبها لحن يموج مع الكلمات أنّى ماجت وحين ينفلت من عقالها (في الفواصل بين المقاطع) فإنّه يصعد ليعانق الذات الإنسانيّة في أنبل آلامها. أمّا “بلادي أنا”، فقد سبق أن أدّتها ماجدة مع يوسو ندور في افتتاح الألعاب الفرنكوفونيّة الّتي دارت ببيروت سنة 2009، وإقحامها في الألبوم مع المحافظة عليها بنفس الشكل ومع الإبقاء على المقطع الفرنسيّ يفقدها ذاك الطابع الاحتفالي الّذي يميّزها. ويبقى إدراج “سلونا” في الألبوم لغزا محيّرا، فقد سبق أن كانت هذه الأغنية في ألبوم “يا ساكن أفكاري” سنة 1988، وإذا كان القصد من إدراجها هو تقديم تحيّة إلى روح الفنّان حليم الرومي، بما أنّ الأغنية قدّمت في شكل دويتو معه، فقد سبق لماجدة أن قامت بنفس الشيء مع أغنية “اليوم عاد حبيبي” في ألبوم “طوق الياسمين” سنة 1998، ممّا يجعل تكرار نفس الشكل عملا يفتقر إلى الإبداع.
 أمّا فيما يخصّ ما هو جديد فعلا في الألبوم، فإنّ ثلاث أغنيات يمكن أن تصنّف في إطار ما أسميّه “الرومانسيّة المريضة”. ومن خصائص هذا الصنف تضمين عبارات مستهلكة وممجوجة عن الحبّ تخلو من أيّ ابتكار مع نغمات خافتة وأداء هامس، ولو تعلّق الأمر بغير ماجدة لقيل أنّ المغنّي يخفي محدوديّة إمكانياته الصوتيّة. والأغاني المعنيّة هي “اقبلني هيك” و “لو تعرف” و “بس قلّك حبيبي” مع تميّز لهذه الأغنية فيما يخصّ اللحن غير أنّه تميّز لا فضل فيه لمجهود ملحّن جديد، فاللحن لشارلي شابلن واقتصر دور جان ماري رياشي على إعادة التوزيع. وأعتبر أنّ أداء ماجدة لمثل هذا الصنف من الأغاني نذير تحوّل خطير، فقبل ألبوم “اعتزلت الغرام” (2006)، كان رصيدها يكاد يخلو من مثل هذه الرومانسيات المريضة. فهل اتّجهت إلى هذه النوعيّة انخراطا في موجة لها جمهور واسع (كجمهور إليسا) اليوم؟ ربّما… ولا تفضل “وبتتغيّر الدقايق” هذه الأغاني إلا قليلا، وتبقى مع ذلك أغنية عادية للغاية كلمات ولحنا (ما عدا بعض اللحظات المميّزة في مقدّمتها الموسيقيّة).
ومن الأغاني الجديدة قصيدتان: “الطير طربا يغرّد” و “وعدتك”. أمّا أولاهما، فرغم المجهود المبذول في التلحين وخاصة في المقدّمة الموسيقيّة، فمن الصعب أن تصنّف حقّا كقصيدة. فمن الواضح أنّ كاتب الكلمات (سلطان بن محمّد القاسمي) أرادها أن تكون قصيدة عموديّة، ويظهر ذلك خاصة من خلال التقفية، ولكن الكلمات لا تستجيب لأيّ وزن من أوزان بحور الخليل، ولا غير بحور الخليل! أمّا القصيدة الثانية، فهي من شعر الراحل نزار قبّاني وألحان كاظم الساهر، ومن أسبر لأعماق نزار من كاظم (حتّى سجن نفسه فيه، ولكنّ ذلك موضوع آخر)؟ غير أنّ نسق الأغنية كان أهدأ بكثير من نسق القصيدة، إذ تمّ الاقتصار على مقاطع متفرّقة من القصيدة وتلحينها بشكل حجب عنها الانفعالات الّتي تتأجّج بها، وهو ما يحول دون أن تكون هذه الأغنية تحفة فنيّة على غرار “الجريدة” و”كن صديقي” وغيرها، ويضاف إلى ذلك قصرها النسبيّ (خمس دقائق ونيف).
 وتبقى أغنية “متغيّر ومحيّرني” جوهرة العقد. وهي أغنية خفيفة الروح تفوّق في تلحينها عبد الرب إدريس على نفسه، وهو الّذي عرفناه قبل ذاك ملحّنا مجدّدا للقصائد، خاصة مع “في ليلك الساري”، فنراه تحوّل ليراقص النغمات الغربيّة للجاز الّتي تميّز في توزيعها جان ماري رياشي.
ويلاحظ أنّ ماجدة الرومي كتبت كلمات ثمان من أغاني الألبوم (مقارنة مع ستّ في الألبوم السابق، منها أربع بالاشتراك مع نزار فرنسيس) وأصبحت بذلك أثبت قدما وأكثر ثقة في كتابة الكلمات. بعضها كان موفّقا (‘العالم النا”، “ملك قلبي”، “ما رح ازعل ع شي” مثلا) والبعض الآخر أقلّ توفيقا. أحيانا تكتب فتكون المرأة الّتي تهدر أعماقها فتصرخ ملبيّة نداءها وتأبى أن تكون صدى، وأحيانا أخرى تكتب فتبدو كلماتها رتيبة معادة لا روح فيها. وكأنّ في ماجدة شاعران: شاعر يفيض إحساسه عن سجن نفسه فينساب كلمات، وشاعر يكتب لأنّه لا مناص من أن يكتب (ربّما لقلّة من يكتبون أشعارا جديرة أن تغنّى في الوقت الحاضر).
أربع عشرة أغنية…سبع منها ليست بالجديدة…أربع دون ما اعتادت ماجدة أن تقدّمه…قصيدة ليست بقصيدة…وأغنيتان تستحقّان أن تذكرا. لو أنّ الألبوم صدر مباشرة بعد سابقه لقلنا أنّ العجلة هي الّتي جعلت العمل على ما عليه، ولكنّ سنين ستّا تفصل بين الشريطين. فهل أنجزت ماجدة هذا الألبوم فقط لتثبت أنّها موجودة؟ فقط ليظهر إسمها في سباق الأغاني؟ فقط ليهلّل معجبوها بالانجاز الجديد؟ أوَ تحتاج إلى ذلك، وهي الأيقونة؟

الرابط على تونس الفتاة: 
http://tounesaf.org/?p=1367

ليست هناك تعليقات: