الاثنين، 25 يناير 2021

قصّتي مع الشعر (الجزء الأوّل)



يمكنني أن أحدّد بشيء من الدقّة متى كتبت الشعر أوّل مرّة. كان ذلك في الثلاثية الأخيرة من سنة 1999. كنّا شرعنا وقتها في دراسة العروض على يد أستاذتي شيراز سلامة، وبدأنا بحور الشعر بالمتقارب. كتبتُ وقتها قطعة من ثلاثة أو أربعة أبيات على مجزوء المتقارب مطلعها:

أقول وسهد أذاني... ألا تشعرين بحالي

لم أر ضيرا حينئذ في تكثيف الجوازات الشعرية، حتّى إن كانت ثقيلة. كلّ الهدف كان ملاحقة الوزن. أبهرني العروض حدّ الهوس. تلك المقاطع الصوتيّة التي تتتالى في انتظام موسيقي بديع أذهلتني، حتّى صرت شغوفا بالتقطيع العروضي لكلّ ما يعترضني، حتّى إن كان مقالا في صحيفة. لم أبلغ نهاية ذلك العام إلّا وقد أحطت علما بجميع بحور الخليل، حتّى ما لم يدخل منها في البرنامج الدراسي، عمدتي في ذلك كتاب شاعرنا نور الدّين صمّود "العروض المختصر" الّذي صار رفيقي الدائم.

في أوائل سنة 2000، قسّمتنا الأستاذة إلى فرق بهدف إعداد بحث عن موضوع الحرب والسلام، وضمن فريقي، كنت مكلّفا بكتابة مقال حجاجي حول الموضوع. كنت مزهوّا بهذه القدرة الناشئة على النظم، فاخترت، بحثا عن التميّز، ألّا أكتب مقالا بل قصيدة. كتبت نصّا من خمسة عشر بيتا، كان أوّل ما أعدّه قصيدا مكتملا لا مجرّد قطعة، كان مطلعه:

الكون باكٍ بعد كونه باسما... للارتياح وللسكينة عادما

لسبب لا أذكره، ألغيت الحصّة التي كانت مقرّرة حول هذا الموضوع. ولكنّني كنت شديد الفخر بنصّي ذاك، واندفعت في كتابة الشعر. بسبب إهمالي، ضاع شيء ممّا كتبته في هذه الفترة المبكّرة إذ أنّي كنت أكتب ما يخطر لي على أيّ ورقة منفصلة ولم أعبأ بجمعه. ليس في الأمر خسارة عظمى على أيّ حال، فلم تكن تعدو أن تكون سوى خربشات منظومة لم يكن فيها شعور حقيقي بل مجرّد استعراض لغوي إيقاعي، شعر عمودي "مضروب بالسفود" كما يقول شاعرنا يوسف رزوقة. لو كان ما كتبته حينها بقي، أخالني كنت سأتنصّل منه.

أحسب أنّ أوّل قصيدة لا أزال أفتخر بنسبتها إليّ إلى الآن هي "القدّيسة" التي كتبتها سنة 2001. كُنت في بدايات تعرّفي إلى فيروز، وفي حالة تشبه الوجد الصوفي، كتبت نصّي ذاك الّذي ظلّ على مدى سنوات أحبّ النصوص إلى قلبي، وإن كنت لم أوقّعه باسمي. كنت أمهر كلّ ما كنت أكتبه باسم "أبي معاذ المطوي". لم يكن ذلك لميول سلفية ولا لرغبة في التخفّي. كنت غارقا في نصوص الشعراء القدامى، وأولعت بشكل خاص بشعر حبيب بن أوس، المكنّى بأبي تمّام الطائي، فاخترت لنفسي كنية مماثلة. انتسبتُ إلى بلدة آبائي، وتكنيّت باسم كان يمكن أن يكون اسمي. حين ولدتُ، لم يكن الأمر حُسم في شأن تسميتي. كان اسم "حمزة" مطروحا بقوّة (ولعلّ ذلك من تأثيرات فيلم الرسالة) ولكن كانت هناك اقتراحات أخرى من بينها "معاذ" الذي كان اقتراح عمّي رحمه الله. لحسم المسألة، اقترحت خالتي أن تكتب جميع الاقتراحات على قصاصات وأن يُنظر على أيّها تقع يدي، فكان أن وقعت على اسم حمزة. يا لها من بداية شعرية للحياة: الرجل الذي اختار اسمه!


ليست هناك تعليقات: