الخميس، 17 مارس 2011

"...الإسلام دينها": مجرّد سوء تفاهم

جدل كبير يثار هذه الأيّام حول العلمانية في تونس. ولعلّ المظاهرة التي انتظمت بسوسة مطالبة بالعلمانيّة والتي حاول البعض من أنصار الاتجاه المخالف إيقافها رغم طابعها السلمي هي ما أججّ هذا الجدل الّذي يبدو لي، عموما، حوار صمّ، إذ أنّ كلا الطرفين يرفض سماع الآخر رغم أنهما يتشاركان عدّة أفكار، فأنصار أن يكون الإسلام دين الدولة (وسأسميهم، تجاوزا، بـ"الإسلاميين") يطلبون ما تفترضه العلمانيّة ومع ذلك يماهون بين العلمانية والكفر و الإلحاد والسعي لطمس الهويّة، و العلمانيون لا يمانعون بعض النتائج المترتّبة عن كون الإسلام دين الدولة، ورغم ذلك يتهمون "الإسلاميين" بالتطرف و الإرهاب والسعي إلى إقامة دولة دينيّة شمولية.

وفي الحقيقة، يبدو أنّ المشكل الحقيقي هو مشكل ثقة أساسا، له ما يبرّره في تجارب شعوب أخرى، وحتّى في تجربة شعبنا التونسي. فـ"الإسلاميون" يخشون أن تؤدي العلمانيّة إلى حركة معادية للتديّن، كعلمانيّة أتاترك، أو كعلمانيّة الأنظمة الشيوعيّة سابقا، أو كإحدى مظاهر العلمانيّة الفرنسيّة المتمثّلة في منع الحجاب في المدارس ومنع البرقع في دول أروبيّة أخرى. و العلمانيون من جهتهم يفرقون من أن يؤدي اعتبار الإسلام دين الدولة إلى حركة إجبار على التديّن واعتداء على الحريات وتخلّ عن مكتسبات المرأة وتطبيق جامد للشريعة، و أمثلتهم في ذلك النظام الإيراني و النظام السعودي حاليا و عدد كبير من الأنظمة الدينيّة في الماضي.

و تجاوز هذا الخلاف لا يطرح في نظري مشاكل كبيرة. يكفي فقط أن يسمع كلّ طرف الطرف الآخر. لا أتصوّر أنّ العلمانيين يعارضون أن تموّل الدولة بناء المساجد وأن توجد مصليات بالجامعات وأن يسمح بارتداء الحجاب وإطلاق اللحية ( وغيرها من مظاهر التديّن) وأن تكون الأعياد الدينيةّ عطلا رسميّة وأن لا يقع التضييق على المتديّنين. ولا أتصوّر أنّ "الإسلاميين" يمانعون أن يكون التديّن أمرا شخصيّا خاصا بصاحبه لا يقع فرضه على أحد، يصلّي من أراد أن يصلّي و "يفسق" من أراد ان يفسق طالما لم يضرّ ذلك بحريّة أحد، ولا أتصوّر أنّهم يطالبون في برامجهم السياسية بتطبيق الشريعة بالمعنى التقليدي الّذي يشمل الرجم و الجلد و قطع اليد (و قد أكّد عدد من قادة حزب النهضة أنّ حزبهم لا يدعو إلى تطبيق الشريعة) أو العودة إلى تعدّد الزوجات و الطلاق بإرادة الزوج المنفردة.

لا أتصوّر إذن أنّ هناك ما يمنع من المحافظة على عبارة "الإسلام دينها" في الفصل الأوّل من الدستور، على أن يتمّ تحديد محتوى هذه العبارة بوضوح في نص الدستور ذاته أو في ميثاق (له قيمة دستورية) توافق عليه كل الأطراف لكي لا يمكن التراجع عنها و لا يستخدم هذا الفصل كذريعة للتطبيق الآلي و الجامد للشريعة. و يجدر التذكير أنّ عددا من الدول الاسكندينافية تقرّ بوجود دين للدولة ومع ذلك هي أكثر الدول ضمانا للحريات و الحقوق الفرديّة. لا أتصوّر أنّ هناك ما يمنع من الوصول إلى مثل هذا التوافق، إلا الغلوّ من كلا الطرفين. ومن الأكيد أنّه ستبقى، حتى مع وجود مثل هذا الاتفاق، نقاط إشكاليّة كثيرة (كالمساواة في الإرث) يجدر ترك الفصل فيها للشعب بالوسائل الديمقراطيّة.

ليست هناك تعليقات: