الاثنين، 29 سبتمبر 2025

إغراء الوردة

أن ترى وردة
تتفتح ذات صباح
تحيط بها غيمة من ندى
تتثاءب والعطر ييمم شطرك
تُفتح فيك حواس جُددْ
أنت تسبح في عالم من أثير
يهيل الضباب على يومك المتكرر
تغمض عينك 
تهمس: أيّ مدد؟
لتحاذرْ وأنت تجدّد روحك
من ذلك الظلّ فيك
تراه يراود ذاك النزوع القديم
ينادي لتقطفها
لتصير بين يديك
مِلكا بلا شركاء 
ودون أحدْ
ربّما تنتشي لحظة
ثمّ تنسى...
وتصبح روحك قبرا لها
حينها تتبخّر لحظتك الساحرهْ
وتعود إلى ملل اليوم
تغدو أسير الأبدْ...

الاثنين، 22 سبتمبر 2025

متى نقطع مع اقتصاد الرخص؟


مرّت سبعون عاما تقريبا على الاستقلال، وأكثر من خمسين على قانون 1972، ولا يزال الاقتصاد التونسي يقوم على مبدأ واحد: الرخص.

يتجلّى هذا الرخص أولا في الأجور. الأجر الأدنى 528 دينارا، أي 150 أورو، عُشر ما هو معمول به في فرنسا. هناك يمكّن الأجر الأدنى من حياة كريمة، وهنا لا يكفي لتغطية أبسط الحاجات. كل زيادة تُمرّر بخوف: خوف من هروب المستثمر الأجنبي، والعياذ بالله!

يكمن الرخص أيضا في علاقتنا بالقوى المصنّعة. نحن لا نصنّع منتَجا كاملا، بل نكتفي بقطع وأسلاك. في الماضي كنّا نركّب سيارات وحافلات، أما اليوم فلا إرادة ولا سياسة لتجاوز موقع المُناولة (الذي، للمفارقة، ألغيناه داخليا).

وفي زيت الزيتون، الأمر أدهى وأمر. نحن من كبار المنتجين عالميا، لكننا لا نتمتّع به إلا بعد أن يُلبَّى طلب الخارج. والأسوأ أنه في الغالب يُصدَّر دون تعليب، لتشتريه شركات إسبانية وإيطالية وتضع أسماءها عليه. مسؤولون خرجوا لتبرير هذه السياسة، دون أن تخطر ببال أحدهم خطة لصناعة علامة تونسية تفرض نفسها.

أما السياحة، فهي الرخص يمشي على قدميه. بعض الأوروبيين يتبجّحون بأن قضاء عطلة في تونس أرخص عندهم من البقاء في بيوتهم. في المقابل، صار على المواطن التونسي أن ينفق راتب شهر كامل ليقضي نهاية أسبوع في نزل ببلده. هذا دون أن ننسى أنها قطاع هشّ لا يوفّر سوى شغلا هشّا، في مقابل بضع عملات صعبة.

هذا ليس قدرا. إنه خيار اتخذته الدولة في مرحلة مبكرة وكان من المفروض أن يكون وقتيا وأن يقع تجاوزه تدريجيا. المقابل الوحيد الممكن للرخص هو الكرامة. وما أحوجنا إلى سياسات عمومية تعيد إلينا كرامتنا.

الخميس، 18 سبتمبر 2025

ثمن السهولة


ما يأتي بسهولة يذهب بسهولة. يكفي أن ترى كيف ينفق الذين حازوا أموالا طائلة عن طريق الرهان ما كسبوه، ومثل ذلك من يرثون ثروات كبيرة. لكنّ الأمر يتجاوز الجانب المالي. أعتقد أنّ نفس الشيء ينطبق على العلاقات، لا سيّما العاطفية منها. إذا كان كلّ شيء يسيرا ميسّرا منذ البداية ولمدة طويلة، فمن المرجّح ألّا تدوم العلاقة طويلا. إذا لم تكتسب العلاقة جانبا يحتوي على نوع من التحدّي أو المغامرة، فمن المحتمل أن يملّها أحد الطرفين أو كلاهما بعد بعض الوقت. قد يكون التوافق في الطباع والميول مدهشا، ولكن ما فائدة أن يعيش المرء مع نسخة من نفسه؟ إذا لم يكن هناك صراع ما، حتى إن كان طفيفا، فستذوي جذوة الاهتمام. الأمر شبيه تماما باللعب: إذا كانت اللعبة سهلة للغاية، فلن تضحي مسلية بعد فترة. كما إذا كانت صعبة للغاية، فسينفد الصبر منها. الأمر كلّه يتعلّق بدرجة الصعوبة وطبائع التعامل معها.

الثلاثاء، 16 سبتمبر 2025

وليمة الظل

يتغذى الوحش على النقاء. هو وحش، تعتمل فيه الغرائز البدائية، لا يعرف غيرها ولا يطيع إلّاها. إلا أنّ له ما يكفي من الوعي ليفهم أنه يُنظر إليه بمرتبة أقلّ من الآدمية، فيهتاج ويثور.

ليس له إلا فراؤه، فلا سبيل له لأن يتّخذ هنداما أنيقا يرد به المحافل والملاهي. لا صوت له إلا العواء، فلا مطمع له من ذلاقة اللسان ما يفتح له الأبواب المغلقة.

يجد لنفسه سبيلا أخرى. يختار لنفسه فريسة. يسعى في اختيارها أن تكون غريرة، لا تعرف شيئا عن طبائع الهوام ولم يفسدها بعد تبدّل الأقنعة.

يستدرجها إلى مكان معزول، حيث يُجهز عليها. لا يكون همّه في تلك اللحظة أن يقتات، بل أن يصعد بقوائمه فوق براءتها. ينهش عظامها ويمزّق لحمها، ثم يعوي فوق ما تبقى منها. يشعر لبرهة أنّ دماء نقية تجري في جسده.