يلخّص أحد الأصدقاء علاقتنا بالمقاهي بقوله "يجب أن لا تقلّ مدّة الجلوس بالمقهى عن ساعة. أقلّ من ذلك يجعلها استراحة قهوة". نحن لا نذهب إلى المقاهي في مهمّة محدّدة ودقيقة تقضي بتناول مشروب ما، فذلك منوط بالكافيتيريات، بل أنّ المقاهي هي عندنا مكان التفاعل الاجتماعي (الحقيقي لا الافتراضي) بامتياز. ما نتناوله هناك هو إمّا مجرّد ذريعة لنتواصل مع غيرنا، أو مشروب مقدّس له طقوسه الّتي لا تقبل التهاون بها، وخاصة: لا تقبل العجلة. أمّا إذا تعلّق الأمر بلعبة ورق أو مشاهدة مباريات أو بتدخين شيشة، فعند ذلك نعلن تحرّرنا التام من الزمن، وندخل مرحلة "النيرفانا"...
ورغم أنّ هذه العلاقة الحميمة لا تخفى على أحد، فإنّ ذلك لم يمنع السيّد رئيس الغرفة الوطنية لأصحاب المقاهي ليدعو إلى تحديد توقيت تناول المشروبات الساخنة بالمقاهي، زاعما أنّ الدول الأروبية تحدّده بنصف ساعة (أيّ دول؟؟؟)، ومؤكّدا أنّ أصحاب المقاهي يتحمّلون خسائر كبيرة بسبب غياب مثل هذا التحديد وأنّهم يلجؤون إلى البيع المشروط لهذا السبب بالذات.
ولا أفهم عن أيّ خسائر يتحدّث الرجل. فعلى حدّ علمي، كلّ المقاهي "تدخّل الخير والبركة" وقلّما سمعت عن مقهى أغلق بسبب قلّة الدخل. أمّا عن البيع المشروط، فمن المعروف أنّ القهواجية لا ينتظرونك لتطيل الجلوس كي يفرضوا عليك قارورة الماء أو قطعة المرطّبات أو الماركة الإيطالية (في آخر الأسبوع وفي أوقات الذروة، لا تتحدّث ماكينة القهوة إلّا بالإيطالية)، بل يبدأ ذلك فور دخول المحلّ.
كما لا أفهم كيف ستكون الخطوات العمليّة لتكريس تحديد التوقيت. هل سيتمّ نصب ساعة لاحتساب الوقت قرب كلّ حريف؟ هل ستعطى سلطة تقديريّة مطلقة للنادل؟ هل سيتمّ تكريس نظام اللعب لجولة واحدة في أطراح "الرامي"؟ هل سيتمّ اللجوء إلى القوّة العامة لطرد الحريف الذّي يرفض الخروج بعد انتهاء وقته؟
هذا الاقتراح علامة على أنّ المؤقّت ضرب أطنابه في كلّ جوانب حياتنا حتّى مسّ أكثرها تحرّرا من الوقت. وإذا سلّمنا جدلا بجديّة هذا الاقتراح، فلا توجد إلّا كلمة واحدة تبرّره: الجشع. فبعد الحديث عن التحرير الكلّي لأسعار المشروبات الساخنة، يأتينا هذا الاقتراح ليمسّ من الهواية الوطنيّة الأولى (أو الشغل الوطني الأوّل باعتبار أعداد العاطلين عن العمل)، ويمكن اعتباره، بشكل من الأشكال، مسّا من المقدّسات.
يا سيّدي، في كلّ أمور حياتنا كثر "الجري واللهيط"، فاتركنا على الأقلّ نحتسي قهوتنا على مهل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق