نظر إلى صورة الأشعّة وظلّ جامدا. كنت أترقّب جوابه في لهفة، فلمّا أبطأ، سألته: أهناك أمل في إنقاذها؟ التفت إليّ، وبملامح وجه لاعب بوكر، قال: ولا حتّى 1%. اختفت تلك الابتسامة الحائرة من على وجهي ولكنّي عزّيت نفسي بأنّه لن يقلعها اليوم، فقد قال في الموعد الفارط أنّ الأمر يمكن أن ينتظر. تجلّدت وأبديت الشجاعة، ولكنّي فوجئت به يشهر سيفه (حقنة البنج) في وجهي فانخلع قلبي، ولا حرج في الاعتراف بذلك. حتّى ربيعة بن مكدّم وعتيبة بن الحارث وعنترة الفوارس كانوا ليفزعوا في مثل موقفي. ملاقاة الفوارس في ساحة الوغى أمر هيّن يسير إذا قورن بغريب يعبث بفيك ويستبيح عذابك دون أن تقدر حراكا، بل وتتجرّع غصّات الألم صامتا أملا في عافية جديدة. صحت فيه: ماذا تفعل؟ أو لم تقل أنّ الأمر مؤجّل؟؟؟ تغيّرت ملامحه فجأة لتأخذ شكل قرصان عتيد في ابتسامته الماكرة عندما قال: تغيّر الأمر. الوضع دقيق ودقيق جدّا. "الوضع دقيق"؟ سمعت العبارة من قبل. لكن كان وقتها مستقبل بلاد بأسرها على المحكّ، لا ضرس عبد فقير إلى ربّه. ما الذي يجعل من سنّ واهنة وضعا دقيقا مستعجلا خطيرا تستباح فيه الحرمات؟؟ سلّمت أمري إلى الله والرجل يصول ويجول بين فكيّ. كنت أسرح أحيانا، فأفكّر في شكلي الجديد الذي سيكون بعد قليل خاليا من التناظر، وأفيق على صوته آمرا: افتح فمك، لم أطبقته؟ فأفتحه إلى أقصى اتّساع وأنا أتخيّله، في نفسي، يتمثّل بقول الشاعر:
لمّا رآني قد نزلت أريده...أبدى نواجذه لغير تبسّم
للإنصاف لم يكن الأمر مؤلما البتّة. ولكنّ لم يكن هناك مفرّ من الهلع. لعلّه آلية طبيعيّة لحفظ النفس. نظرت إلى الضرس المتآكل في شيء من الأسى وبعض عجب: كان هذا الشيء منذ قليل جزءا من جسدي، ولم يعد. هكذا تقوم الساعة بغتة! الآن هرمت وعليّ من هنا فصاعدا أن أبحث عن استبدال أعضائي إن أردت أن أنعم بما بقي لي. كأنّه قرأ أفكاري. فابتسم في بعض الودّ (اكتشفت أنّ بإمكانه إبداء التعاطف إذا شاء!) وقال: عد إليّ بعد شهر أو أكثر لنبحث كيف نملأ ذاك الفراغ. دفعت تلك الثروة الصغيرة، وخرجت تاركا جزءا منّي، بعد أن ضرّسني الزمان هناك...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق