استمعت إلى تصريحات السيّد راشد الغنّوشي رئيس حركة النهضة بمناسبة عيد المرأة التونسيّة، أو بالأحرى إلى جزء منها تناقلته وسائل الإعلام والمتعلّق بدعوته الشباب إلى الزواج بالمتقدّمات بالسنّ والمطلّقات.
وأثارت هذه التصريحات، كالعادة عندما يقوم "الشيخ" بأيّ تصريح تقريبا، ردود فعل مستنكرة. وإذا تجاوزنا التهكّم "التنبيري" الخالي من الجديّة حول من منحه الحقّ في التحدّث في هذا الشأن (وهي من الملاحظات المثيرة للدهشة، فمن يمنع أيّا كان عن تقديم وجهة نظره في مسائل اجتماعية، فضلا عن رئيس حزب سياسي يحمل مشروعا مجتمعيّا؟)، فيبدو أنّ أهمّ الاعتراضات على كلام الغنّوشي تتعلّق بتصنيفه في خانة الدعاية الانتخابيّة لاستجلاب أصوات فئة من النساء (وقد لا يخلو ذلك من صحّة ولكنّه يدخل في باب محاسبة النوايا إذا لم يقم الدليل عليه) وأنّه يقزّم من المرأة التونسية بتصوير البحث عن زوج هدفا رئيسيّا لها. وأخال أنّ هذا النوع من الاعتراضات يدخل في باب المثاليات النسوية البعيدة عن الواقع، فقد يطول الحديث عن مكاسب المرأة التونسيّة وسيرها في درب التقدّم ولكن من الصعب أن ننكر أنّنا مازلنا في مجتمع يحدّد إلى حدّ كبير مكانة المرأة بمدى نجاحها في تأسيس أسرة، ودعوة المرأة إلى عدم الاستجابة لهذه النظرة هو دعوة إيّاها للوقوف في وجه المجتمع، وهو طلب يتطلّب قدرات استثنائيّة قد يكون بلوغها صعبا على السواد الأعظم.
ولكنّ ذلك لا يعني أنّه لا اعتراض جديّا على تصريحات رئيس حركة النهضة. فيمكن على الأقلّ تقديم اعتراضين اثنين.
الاعتراض الأوّل يتعلّق بكون السيّد راشد الغنّوشي يدعو، عن وعي أو غير وعي، إلى ثورة اجتماعيّة حقيقيّة دون أن يقدّم أيّ وسائل لتحقيقها. فالفارق بين سنّ الزوج والزوجة لصالح الأوّل عادة متّبعة في غالب مجتمعات العالم يقع تبريرها بأسباب بيولوجية، فأرسطو، صاحب المنطق، مثلا يرى أنّه من الأفضل أن يتزوّج الرجل عندما يبلغ السابعة والثلاثين بامرأة في سنّ العشرين حتّى يتزامن بلوغها سنّ اليأس مع وصوله إلى الشيخوخة. ومن المشروع أن يدعو كلّ من شاء إلى انقلاب في المعايير المجتمعيّة، ولكن يبقى من السذاجة بمكان الاعتقاد أنّه ستتمّ الاستجابة إلى هذه الدعوة لمجرّد أنّها صادرة عن "الشيخ" (هذا إذا لم نعد إلى "النوايا").
أمّا الاعتراض الثاني فيكمن في التعامل الانتقائي مع الموروث الديني. فقد تحدّث الغنّوشي عن زواج الرسول عليه الصلاة والسلام وهو في الخامسة والعشرين بالسيّدة خديجة وهي في الأربعين كمثال يجدر اتّباعه. وبغضّ النظر عن بعض التجاوز في كلام "الشيخ" (إذ قال "امرأة فاقت الأربعين" في حين أنّ الرواية الغالبة أنّها كانت في تمام الأربعين، مع وجود روايات أخرى ترى أنّها كانت أصغر من ذلك)، فإنّ هذه الزيجة كانت استثناء بين زيجات الرسول الأكرم في خصوص الفارق في السنّ، في حين الزيجات الأخرى الاثنتي عشرة من الممكن أن يتمّ الاستدلال بها في الاتّجاه المخالف. كما أنّه من المعروف أنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام نصح جابرا بن عبد الله بالزواج من بكر لا من ثيّب. وتوظيف القراءات بشكل متناقض حسب مقتضيات الحال من الاعتراضات التي لم تخفت على تيّار الإسلام السياسي.
بقي أن نضيف أنّ مثل هذه الدعوات لا يمكن أن تحلّ مشكل العنوسة كما يذهب "الشيخ" إلى ذلك. فهذا المشكل يرتبط بظاهرة العزوف عن الزواج التّي لا يمثّل فارق السنّ إلا هامشا بالنسبة إليها يتطلّب تحليلا معمّقا متعدّد الاختصاصات، لا مجرّد دعوات تبسيطية تختزل المشكل وتسطّحه، وهو ما سبق لنفس الشخص القيام به في خصوص تبرير تعدّد الزوجات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق