
http://www.tounesalfatet.com/article.php?id=76dc611d6ebaafc66cc0879c71b5db5c
من أطرف التعاليق الّتي قرأتها عن الاستفتاء الّذي كثرت الدعوة إليه مؤخّرا أنّه يجب استفتاء الشعب إن كان يريد الاستفتاء أم لا !
وحتّى إن أريد بهذا القول مجرّد الفكاهة، فهو يكشف عن مشكلة يطرحها موضوع الاستفتاء هذا. "الشعب" لم يعبّر عن رغبته في الاستفتاء وإن كان هناك تحرّك شعبي للمطالبة بمجلس تأسيسي، فلم أسمع بأيّ تحرّك يهدف إلى الاستفتاء على صلاحيات هذا المجلس. وهذه المطالبة بالرجوع إلى الشعب (دون أن يطلب الشعب ذلك) واتهام معارضي الاستفتاء بالخوف من إرادة الشعب هي في الحقيقة تمييع لفكرة الإرادة الشعبيّة. فالاستفتاء على صلوحيات المجلس التأسيسي ومدّته يعني أنّ "الإرادة الشعبيّة" المعبّر عنها في الاستفتاء ستحدّ من الإرادة الشعبيّة المعبرّ عنها بالانتخاب الّذي يرون أنّ نتائجه قد تكون خطيرة، في حين أنّ الاستفتاء المقترح لا يمكن أن يعبّر بتاتا عن إرادة شعبيّة، وأنّ المجلس التأسيسي المنتخب ليس بالخطورة الّتي يصوّرونها.
ما حدث في السعوديّة يصنّف في باب المضحكات المبكيات...شهد بعض الأشخاص في إحدى المناطق برؤية الهلال، وتمّ الأخذ بشهادتهم لإعلان دخول شهر شوّال، رغم أنّ ذلك مستحيل علميّا، إذ لم يكن من الممكن رؤية الهلال لا بالعين المجرّدة ولا بالمناظير في أيّ نقطة من المملكة. ولمّا قالت الجمعيّة الفلكيّة باستحالة الرؤية، وأنّ الشهود رأوا على الأرجح كوكب زحل، معتبرة أنه سبق أن حدثت نفس المشكلة منذ سنوات وشوهد كوكب عطارد عوض الهلال، كان ردّ العلماء الشرعيين عنيفا واتّهموا الفلكيين بإثارة الفتنة، وقال عبد الله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء: "إذا جاءنا عدلان يشهدان برؤية الهلال مساء يوم الاثنين الموافق 29 رمضان الجاري، فيجب قبول شهادتهما والعمل بمقتضاها، فقد اتفق على صحة الرؤية التوقيتان الفلكي والشرعي"، مضيفاً: "لا عبرة للقول بعدم إمكان الرؤية لما فيها من تقييد قدرة الله وفضله على من يشاء من عباده بقوة الإبصار"
صاحبت مسلسل "الحسن والحسين" الّذي قام بإخراجه عبد الباري أبو الخير ضجّة كبيرة سبقت عرضه، وذلك بسبب تصويره لعدد من الصحابة الأجلاء وعلى رأسهم طبعا الحسن والحسين إضافة إلى بعض الصحابة المبشّرين بالجنّة، وهو ما دفع الأزهر إلى الاحتجاج عليه وكذلك بعض الهيئات الشيعيّة. ورغم ذلك، تمّ إتمام تصوير المسلسل بعد الحصول على ثلاثين فتوى (فيما قيل) تجيز ذلك.
" أغمض عينيك عندما تستمع إلى فيروز...إننا لا نرى الملائكة، ولكن يحدث أحيانا أن نسمعها تغني"... هذه القولة لجورج شحادة هي من المقولات الرائجة عند أحباء فيروز... أطلقوا عليها، ومازالوا، اسم الصوت الملائكي... وفعلا، كانت فيروز في مرحلتها الرحبانية متجردة من بشريتها، كائنا فوق حدود الزمان والمكان..يكبر الناس وتنسى هي أن تكبر...غناؤها صلاة، دعوة للتسامي فوق نوازع الجسد...صوتها خمر كيان، يجعلك لا تبالي ما دنيا الناس... لا علاقة لما تغنيه بالواقع، بل يكره الواقع الدامي المعفر بالثرى و يرسم منه كونا بديلا، عالم أطفال يحلمون.. لم تكن منا، بل كانت "سفيرة النجوم إلينا"، صلتنا بالسماء التي تجعل شيئا من السماء يستمر بداخلنا...لكن فيروز لم تبقى في ذلك الوطن السماوي الذي شيّده الأخوان رحباني. مع زياد، مزّق الملاك جناحيه ونزل إلى عالم يدعى "الواقع"... لم يكن نزولها نزول طرد أو لعنة، بل يقينا أن السماء لم تعد تكفي لحمل هموم الأرض، وأنّه يجب على الأرض أن تخرج من الشرنقة، أن تقطع الحبل السرّي حتى تعيش، أن لا تنتظر ضوء شمس لن يأتي أبدا... كان النزول مع ذلك عنيفا، صدم من آمنوا بذلك الوطن وعاشوا في ظله... كان من العسير الاستماع إلى الفتاة الحالمة النقية تخاطب، في "كيفك أنت"، رجلا متزوجا له أطفال وتتمنى الرجوع إليه... و كان من الأعسر الاستماع إليها تسخر من السماء ومن أغاني السماء في "مش كاين هيك تكون"... لكن الملاك مقطوع الجناحين لم يتحول إلى صوت يذوب في زحام المغنين.. التقطت فيروز الزيادية الواقع في أدق تفاصيله. معها، تتعرف على نفسك وتجد من يعبر عنها... فيروز زياد لا تتعالى على آلام البشر ومعاناتهم.. هي تحب و تكره، تعاتب وتصالح، تمزح وتغضب، تقطع وتصل...لا تخجل من أن تصرخ "اشتقتلك، اشتقتلي... بعرف مش رح تقلي... طيب أنا عم قلك اشتقتلك ! " ولا تستنكف من أن تعبر عن عدم مبالاتها: " تمرق علي، امرق.. ما بتمرق، ما تمرق...مش فارقة معاي"... تعطي ثقتها إذا أرادت: " عندي ثقة فيك، وبيكفي"... لم تعد فيروز صوت السماء إلى الإنسان، بل صوت الإنسان إلى الإنسان... تتنفس الأرض مشاغلها إذا شدت... يسمع المتأوهون أناتهم إذا صدحت... عندما كانت ملاكا، منّتنا بعالم مثالي ، طرقاته "مفروشة بالنوم و سعيدة"... و عندما مزّقت جناحيها، أرتنا هذه الحياة، بجميع اختلاجاتها وأزماتها ونكساتها وصَغارها و أدنى تفاصيلها جديرة أن تعاش... وفي حالتيها، تمنحنا فيروز سببا لكي نحيا..
تونس الفتاة...هو إسم أطلق على حركة وطنية في أوائل القرن العشرين، حركة عرفت كذلك بإسم حركة الشباب التونسي.
اليوم، في ثورة قام بها الشباب نستعيد هذا الإسم لنطلقه على هذا المشروع الّذي أنشأته مجموعة من الشباب والمفتوح لكل الشباب.
صحيفتنا لا تبحث عن السبق الصحفي...هي ليست صحيفة أخبار بل صحيفة آراء...هي خطوة نحو تونس تعدديّة، يتاح فيها لكلّ الأراء، على اختلافها وحتّى تضاربها، أن تجد طريقها إلى الفضاء العام و أن لا تبقى حبيسة تختلج في أفئدة أصحابها. نرحبّ بكل المساهمات الجادة. الشرط الوحيد لقبولها هو أن لا تدعو إلى العنف.
تونس الفتاة على الفايسبوك:
جدل كبير يثار هذه الأيّام حول العلمانية في تونس. ولعلّ المظاهرة التي انتظمت بسوسة مطالبة بالعلمانيّة والتي حاول البعض من أنصار الاتجاه المخالف إيقافها رغم طابعها السلمي هي ما أججّ هذا الجدل الّذي يبدو لي، عموما، حوار صمّ، إذ أنّ كلا الطرفين يرفض سماع الآخر رغم أنهما يتشاركان عدّة أفكار، فأنصار أن يكون الإسلام دين الدولة (وسأسميهم، تجاوزا، بـ"الإسلاميين") يطلبون ما تفترضه العلمانيّة ومع ذلك يماهون بين العلمانية والكفر و الإلحاد والسعي لطمس الهويّة، و العلمانيون لا يمانعون بعض النتائج المترتّبة عن كون الإسلام دين الدولة، ورغم ذلك يتهمون "الإسلاميين" بالتطرف و الإرهاب والسعي إلى إقامة دولة دينيّة شمولية.
وفي الحقيقة، يبدو أنّ المشكل الحقيقي هو مشكل ثقة أساسا، له ما يبرّره في تجارب شعوب أخرى، وحتّى في تجربة شعبنا التونسي. فـ"الإسلاميون" يخشون أن تؤدي العلمانيّة إلى حركة معادية للتديّن، كعلمانيّة أتاترك، أو كعلمانيّة الأنظمة الشيوعيّة سابقا، أو كإحدى مظاهر العلمانيّة الفرنسيّة المتمثّلة في منع الحجاب في المدارس ومنع البرقع في دول أروبيّة أخرى. و العلمانيون من جهتهم يفرقون من أن يؤدي اعتبار الإسلام دين الدولة إلى حركة إجبار على التديّن واعتداء على الحريات وتخلّ عن مكتسبات المرأة وتطبيق جامد للشريعة، و أمثلتهم في ذلك النظام الإيراني و النظام السعودي حاليا و عدد كبير من الأنظمة الدينيّة في الماضي.
و تجاوز هذا الخلاف لا يطرح في نظري مشاكل كبيرة. يكفي فقط أن يسمع كلّ طرف الطرف الآخر. لا أتصوّر أنّ العلمانيين يعارضون أن تموّل الدولة بناء المساجد وأن توجد مصليات بالجامعات وأن يسمح بارتداء الحجاب وإطلاق اللحية ( وغيرها من مظاهر التديّن) وأن تكون الأعياد الدينيةّ عطلا رسميّة وأن لا يقع التضييق على المتديّنين. ولا أتصوّر أنّ "الإسلاميين" يمانعون أن يكون التديّن أمرا شخصيّا خاصا بصاحبه لا يقع فرضه على أحد، يصلّي من أراد أن يصلّي و "يفسق" من أراد ان يفسق طالما لم يضرّ ذلك بحريّة أحد، ولا أتصوّر أنّهم يطالبون في برامجهم السياسية بتطبيق الشريعة بالمعنى التقليدي الّذي يشمل الرجم و الجلد و قطع اليد (و قد أكّد عدد من قادة حزب النهضة أنّ حزبهم لا يدعو إلى تطبيق الشريعة) أو العودة إلى تعدّد الزوجات و الطلاق بإرادة الزوج المنفردة.
لا أتصوّر إذن أنّ هناك ما يمنع من المحافظة على عبارة "الإسلام دينها" في الفصل الأوّل من الدستور، على أن يتمّ تحديد محتوى هذه العبارة بوضوح في نص الدستور ذاته أو في ميثاق (له قيمة دستورية) توافق عليه كل الأطراف لكي لا يمكن التراجع عنها و لا يستخدم هذا الفصل كذريعة للتطبيق الآلي و الجامد للشريعة. و يجدر التذكير أنّ عددا من الدول الاسكندينافية تقرّ بوجود دين للدولة ومع ذلك هي أكثر الدول ضمانا للحريات و الحقوق الفرديّة. لا أتصوّر أنّ هناك ما يمنع من الوصول إلى مثل هذا التوافق، إلا الغلوّ من كلا الطرفين. ومن الأكيد أنّه ستبقى، حتى مع وجود مثل هذا الاتفاق، نقاط إشكاليّة كثيرة (كالمساواة في الإرث) يجدر ترك الفصل فيها للشعب بالوسائل الديمقراطيّة.
استقال السيّد محمد الغنوشي يوم الأحد، و سيحكم التاريخ على ما قام به سلبا أو إيجابا. أرى أنّه تحمّل المسؤولية عندما قبل البقاء على رأس الحكومة في فترة صعبة و تحمّل المسؤولية لمّا استقال في فترة أصبح وجوده يقف عائقا أمام هو عمل الحكومة...قام بعمل كبير و لعلّ معضلته و معضلة حكومته، إضافة إلى التردّد في بعض القرارات، هي الفشل الذريع في التواصل الإعلامي مما ترك مناطق ظل عديدة في عمل الحكومة أدّت إلى زعزعة الثقة فيها. استقال الغنوشي، و تلت استقالته استقالة عدد من الوزراء، منهم من كان منتميا إلى "العهد البائد" و منهم من كان منتميا لأحزاب، و هو ما كان يتعارض مع كون الحكومة حكومة تكنوقراط. و بابتعاد هؤلاء عن كراسي الوزارات، انتهى أحد أكبر مواطن الخلاف في الشارع التونسي الذي كان منقسما أساسا بين مؤيدي الحكومة و معارضيها. و عيّن الباجي قائد السبسي وزير أوّل، و لا أظنّ أنّ كفاءته و خبرته السياسية موضع خلاف، و لم أسمع اعتراضا جدّيا على تعيينه، سوى رفض الاتحاد له بدعوى أنّه لم تقع مشاورته في التعيين، ثمّ تراجع بعد ذلك بعد أن تمّ القبول بكل الشروط التي وضعها. في كل الأحوال، لا توجد أي شخصيّة في تونس قادرة اليوم على تحقيق الإجماع حولها لقيادة الحكومة في هذه المرحلة الحاسمة.
و في انتظار إعلان التركيبة الجديدة للحكومة (التي ستكون إثر مشاورات، و لا أتصوّر أن تكون محل خلاف كبير بعد خروج الوجوه "الإشكاليّة" منها)، لا أرى أنّه ما زالت توجد خلافات كبيرة تمزّق المجتمع التونسي في الفترة الحاليّة إلا تعنّت بعض الأطراف...هناك شبه إجماع حول ضرورة القطع مع دستور 1959 و مؤسساته (و تحديدا مجلس النواب و مجلس المستشارين) و انتخاب مجلس تأسيسي يضع دستورا جديدا للبلاد. و الجميع متفقون حول ضرورة إيقاف نزيف المطالب القطاعية و إعادة الأمن إلى البلاد. الخلافات المتبقيّة تهم تفاصيل هامشيّة، و لكنّ طريقة عرضها المتشنجة و الإصرار عليها بعناد هو ما يجعلها تبدو كأنها خلافات عميقة. و لعلّ هذه الخلافات تكمن فيما يلي:
- المطالبة بنظام برلماني: من الطبيعي أن تكون الديمقراطيّة مطلبا شعبيّا، و لكن من غير المعقول بتاتا أن يكون النظام البرلماني كذلك. الكثيرون ممّن يطالبون به لا يفقهون منه شيئا سوى أنّه غير النظام الرئاسي، و من غير المتأكّد أن يكون هو النظام الأصلح لبلادنا. و ثمّ ماذا يبقى للمجلس التأسيسي إذا تمّ تقييده سلفا بشكل نظام معيّن؟ من الأفضل إذن ترك هذه النقطة للمجلس التأسيسي الذي سيحدد ،مستعينا بخبراء، النظام الأصلح لتجسيم الديمقراطية في مجتمعنا. و ليختر الناخبون ممثليهم حسب النظام الّذي يدعون إليه.
- تنظيم الفترة الانتقالية: إلى حين انتخاب مجلس تأسيسي، هل سيتم العمل بدستور 1959 أم لا؟ من الأكيد أنّ دستور 1959 فصّل على مقاس النظام، إلا أنّ القطع الفوري معه قد يعني نفي كل شرعية، بما في ذلك شرعية الرئيس المؤقت مما يهدد استمرارية الدولة. في هذا الإطار، اقترح الأستاذ قيس سعيّد مشروع أمر ينظّم مؤقتا السلط العمومية (http://www.assabah.com.tn/article-50000.html)، على غرار ما وقع في 1957، يمكّن من المحافظة على استمراريّة الدولة و في نفس الوقت يقطع مع دستور 1959.
- المجلس الوطتي لحماية الثورة: قبلت الحكومة بإنشاء هذا المجلس و اقترحت مشروع مرسوم ينظّمه، و لكن هذا المجلس رفض هذا المشروع و طلب تعديله مصرّا على طابعه التقريري (http://www.assabah.com.tn/article-50246.html). و هو تعنّت في غير محلّه. فهذا الطابع التقريري سيعني أنّ الحكومة ستتحوّل إلى مجرّد منفّذ لقرارات المجلس (الذي ليست له شرعية سوى مرسوم إحداثه و لا يملك مشروعية انتخابيّة، و العديد من المواطنبن يرفضون وجوده). الطابع الاستشاري في الظروف الحالية لن يقلّ أهمّية عن الطابع التقريري، بما أنّ الحكومة لن يمكنها تجاهل رأي المجلس في أي قرار من القرارات، و إلا ستصبح مهدّدة بالإسقاط كسابقتها.
إن تجاوز هذه الخلافات لا يتطلّب سوى حدّ أدنى من التنازلات للتوصل إلى تسويات تكون مقبولة من الجميع و تمكّن من عبور هذه المرحلة الانتقالية نحو الجمهوريّة الثانية. ربّما يكون المشكل الأكبر داخليا يهم اللاعب الأساسي الآن في الحياة السياسية و الاجتماعية في البلاد: الاتحاد العام التونسي للشغل. ما زالت قيادات هذه المنظمة العريقة التي لا يشكّك أحد في دورها التاريخي من الوجوه المتورطة مع النظام السابق (سياسيا على الأقل، في انتظار انجلاء الغموض عن تهم الفساد المالي). و مع ذلك، بقيت هذه القيادات تنشط، بل و تدّعي تزعّم الثورة، دون أن يطرح تنحّيها من قيادة الاتحاد، و هو ما يجعل الريبة تسود فيما يتعلّق بالدور الّذي يلعبه الاتحاد في هذه المرحلة.
صدر اليوم بلاغ إعلامي (http://www.facebook.com/photo.php?fbid=176773552367904&set=a.101927069852553.961.100001057812095) يوضّح مهام الهيئة التي وقعت تسميتها "المجلس الوطني لحماية الثورة". هذا البلاغ يحمل توقيع عدة أطراف من المجتمعين المدني و السياسي. و يشكّل هذا المجلس على ما يبدو ثمرة مفاوضات تلت مبادرة أحمد المستيري منذ الأيام الأولى لسقوط النظام، و رغم أن الإعلان عن هذا المجلس تأجل أكثر من مرّة، إلا أنّه ما زال يطرح في صيغته المعلنة تساؤلات عديدة حول تركيبته و حول صلاحياته.
1)
يضم المجلس عددا من المنظمات و الأحزاب. و باستثناء الاتحاد العام التونسي للشغل، فمن الصعب القول أنّ بقيّة المنظمات الموجودة في المجلس تملك قاعدة عريضة فعدد منها له صبغة قطاعية (كعمادة المحامين و جمعية القضاة) و لا تمثّل إلا عددا محدودا من أعضائها. كما أنّه من الملاحظ أنّ هذه التركيبة تشهد غيابا لمنظمات كانت ناشطة بقوّة و تعرّضت للقمع في ظل النظام السابق (كرابطة حقوق الانسان و جمعية النساء الديمقراطيات).
و في خصوص الأحزاب، فإنّ عددا من الممثلين منها في هذا المجلس "تنويعات" على نفس الاتجاه (التيار البعثي/حركة البعث، الوطنيون الديمقراطيون/حركة الوطنيين الديمقراطيين) و من غير المرجّح، على ما أظنّ، أن يكون لها وزن هام في الشارع التونسي. كما أنّ عددا من الأحزاب "القديمة" غير موجود في هذه التركيبة، و إن كان يمكن تفسير ذلك بالطابع الديكوري لبعضها، فإنّ بعضها الآخر قد غيّر قياداته (كالديمقراطيين الاشتراكيين و حزب الوحدة الشعبية) معبّرا عن رغبة عن القطع مع ماضي الموالاة. و يلاحظ كذلك أن الأحزاب الموجودة في الحكومة غير ممثلة في المجلس، و لا أدري إن كان ذلك تعبيرا عن رغبتها أم عقابا لها على تواجدها في الحكومة.
عموما، يمثّل هذا المجلس أطيافا متعدّدة من المشهد السياسي من اليسار إلى اليمين (مع ميل على ما يبدو إلى اليسار) و عدة منظمات من المجتمع المدني و يبدو أنّ اتحاد الشغل سيشكّل مركز الثقل في المجلس. و لعلّ هذه التركيبة مرشّحة للتوسّع بما أنّ البلاغ يتحدّث عن ممثلين للجهات (دون تحديد واضح لكيفيّة اختيارهم) و بما أنّ المستقلين غابوا عنه، و على رأسهم أحمد المستيري صاحب مبادرة إحداث المجلس.
2)
إنّ المهام الّتي يوكلها هذا المجلس لنفسه تجعل له صلاحيات واسعة. و في جانب منها، تتماهى هذه المهام مع الدور الّذي من المفروض لأن يقوم به البرلمان : مراقبة الحكومة، المبادرة بالإصلاحات (يشبه المبادرة التشريعية) و السلطة التقديريّة في المصادقة على "التشريعات" (كذا، و الأصح: المراسيم). و بما أن عدم مشروعية البرلمان الحالي تكاد تكون محل إجماع، فإنّ إسناد مهامه إلى هذا المجلس (الّذي يملك تمثيليّة تفوق بكثير تمثيليّة البرلمان) مشروع ، و يمكن إيجاد شكل قانوني لهذا المجلس حتى إذا سلمنا جدلا أن دستور 1959 لا يزال حيز النفاذ.
و تجدر الإشارة أنه رغم أنّ هذا المجلس ليس بديلا للحكومة حسبما يبدو من عبارات البلاغ (بما انه لا يدعو لإسقاطها، و يراقب أعمالها، و يطلب إحداثه عن طريق مرسوم صادر عن الرئيس المؤقت)، فإنّ بعض المهام المسندة إليه تجعله يقتسم بعض الأدوار مع الحكومة كما يتجلّى ذلك في تزكية المسؤولين في الوظائف السامية، و هو ما قد يضفي مشروعية على عمل الحكومة العاجزة عن كسب ثقة الشارع إلى الآن، إضافة إلى تدخله في تحديد تركيبة و مهام اللجان (التي لم تحدد الحكومة إلى الآن مهامها بشكل واضح).
إنّ هذا المجلس الممثل للمجتمع المدني و السياسي يجد شبيها له في المؤتمرات الوطنية التي ساهمت في انجاح الانتقال الديمقراطي في عدد من الدول الإفريقية منذ نهاية الثمانينات (مع فرق جوهري يتمثل في كون المؤتمرات أعلنت نفسها سلطا تأسيسيّة، و هو ما لم يبح به مجلس حماية الثورة، إلى الآن على الأقل) و يرتبط نجاح المبادرة بقبول الحكومة المؤقتة لها (مع التذكير أنّ الرئيس المؤقت رفض مبادرة أحمد المستيري الأولى)، فإن تم الإصرار عليها حتّى أن رفضتها الحكومة قد يؤدي إلى وجود هيئتين متنازعتين، و هذا الرفض يبدو غير مرجّح نظرا لأنّ وضعيّة الحكومة الحالية لا تسمح لها أن لا تقبل بمثل هذه المبادرة. و في حالة إقرارها، يصبح وجود مؤسسات مثل البرلمان الحالي غير ذي معنى، و لعلّ الحلّ يكمن في الاعتراف بأنّ ما حدث في تونس ثورة بالمعنى الدستوري للكلمة، و بالتالي الإقرار بأنّ دستور 1959 لم يعد حيز النفاذ.
أعلنت مساء الخميس التركيبة الجديدة للحكومة المؤقّتة. و قد استجابت هذه التركيبة لضغط الشارع و أبعد منها الوزراء الّذين كانوا منتمين للتجمّع الدستوري الديمقراطي، باستثناء ثلاثة وزراء (من بينهم الوزير الأوّل) لم يعارض الإتحاد العام التونسي للشغل في بقائهم. يبدو أنّ التركيبة الجديدة هدّأت من غضب الشارع، و إن لم تطفئه تماما. و لنفترض جدلا أنّ الشارع رضي بهذه الحكومة وأنّه لن يقع القيام بمظاهرات و اعتصامات ضدّها في حجم تلك الّتي وقعت قبل الإعلان عن التركيبة الجديدة و أنّه سيقع المضي قدما في الانتقال الديمقراطي.
إنّ بعض الإجراءات الهامة لإنجاح الإنتقال الديمقراطي هي إجراءات تشريعيّة. و في هذا الصدد، هناك مشاريع قوانين أقرّتها الحكومة بعد (مثل مشروع العفو التشريعي العام) و هناك ما ترك النظر فيه للجنة الإصلاح السياسي (كتعديل المجلّة الإنتخابيّة و قانون الأحزاب و قانون الصحافة...). تتطلّب هذه الإجراءات تدخّل البرلمان، لكن هل يمكن أن ننتظر من البرلمان المساهمة في إنجاح الانتقال الديمقراطي؟
إنّ الغرفة السفلى للبرلمان، أي مجلس النواب، تتكوّن بكاملها تقريبا (باستثناء نائبين من حركة التجديد) من نواب موالين لنظام الرئيس السابق (75 بالمئة من أعضاء التجمّع و الباقون من الأحزاب الّتي كانت تدور في فلكه). منطقيّا، لا يمكن تصوّر مصلحة شخصيّة للنواب في إقرار مثل هذه القوانين. و رغم أنّ مجلس النواب لم يعترض يوما على قانون اقترحه رئيس الجمهوريّة، فإنّه لا يمكن التعويل على وفاء المجلس لـ "دوره التاريخي" لإقرار مشاريع القوانين المعروضة عليه، و ذلك في ظل الظروف الاستثنائيّة الّتي تعيشها تونس. سيبقى إقرار هذه القوانين رهين حسن نيّة النواب (و المستشارين في مرحلة ثانية، إذا صادق مجلس النواب) و إن لم تتوفّر هذه النيّة الحسنة، و من المنطقي جدّا أن لا تتوفّر، فسيقع الإبقاء على القوانين السارية اليوم، و هو ما سيجعل عمليّة الانتقال الديمقراطي عسيرة للغاية، أو ربّما مستحيلة خصوصا في ظل الأحكام الحالية للمجلّة الإنتخابية و أساسا الفصل 66 منها الّذي يشترط تزكية 30 نائب أو30 رئيس بلديّة للمترشّح لرئاسة الجمهورية، و ما من حزب اليوم باستثناء التجمّع يملك هذا العدد،أي أنّ إتمام الانتقال الديمقراطي إذن مرتبط بإرادة أعضاء الحزب الّذي ينادي المواطنون في الشوارع بسقوطه !
أ لا يمكن إقصاء مجلس النواب من هذه الإجراءات؟ إنّ رئيس الجمهورية يمكن له إتخاذ مراسيم يصادق عليها البرلمان أو أحد مجلسيه لاحقا لكن القيام بمثل هذا الإجراء، فيما عدا المراسيم الّتي يتخذها رئيس الجمهوريّة أثناء العطلة البرلمانيّة (الفصل 31)، يمرّ وجوبا عبر تفويض من البرلمان (الفصل 28 فقرة 5) ، و هنا نعود إلى الإرتباط بالنيّة الحسنة لأعضاء مجلسيه ! كما أنّ حلّ مجلس النواب في فترة رئاسة مؤقتة تالية لشغور منصب الرئاسة يمنعه الفصل 57 من الدستور الذي ينص في فقرته الرابعة: "ويمارس القائم بمهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة المهام الرئاسية على أنه لا يحق له أن يلجأ إلى الاستفتاء أو أن ينهي مهام الحكومة أو أن يحل مجلس النواب أو أن يتخذ التدابير الاستثنائية المنصوص عليها بالفصل 46"، فضلا عن أنّ حل المجلس ليس من الحالات الّتي يمكن فيها لرئيس الجمهورية اتخاذ مراسيم إلا إذا كان الحل تاليا للائحة لوم ثانية ضد الحكومة يصادق عليها مجلس النواب (الفصل 63).
(ملاحظة: يجدر إعتبار إعلان الرئيس السابق في آخر أيام حكمه عن تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في ظرف ستة أشهر غير ذي أثر قانوني لأنّه لم يقع لا التصريح بحل مجلس النواب و لا تم المرور عبر تعديل للدستور للتخفيض من المدّة النيابية للأعضاء الحاليين للمجلس المحدّدة بخمس سنوات)
هنا، نحن أمام مأزق لا يمكن الخروج منه إلا إذا أبدى أعضاء مجلس النواب حسن نيّتهم و هو ما لا يمكن التعويل عليه.
لعلّ الحلّ يكمن في ترتيب النتائج الناجمة عن كون ما وقع بتونس ثورة بالمعنى الدستوري للكلمة، أي أنّ هناك قطيعة حدثت مع كل مكونات النظام الّذي كان سائدا في الفترة السابقة بما في ذلك الدستور. و بذلك يقع اعتبار دستور 1959 غير موجود (بما يتضمنّه من مؤسسات و منها مجلس النواب). و في هذه الحالة، يجب وضع دستور جديد للبلاد. و الطريقة الأكثر ديمقراطيّة لذلك تتمثّل في الدعوة إلى مجلس تأسيسي منتخب يعدّ هذا الدستور (الّذي يمكن أن تتم المصادقة عليه فيما بعد عن طريق استفتاء). لكن ليكون هذا الحل قابلا للتطبيق ينبغي التساؤل عن مشروعية السلطة الّتي ستدعو إلى هذا المجلس، فإذا افترضنا أنّها الحكومة الحالية، فإنّنا سنكون أمام مفارقة لأنّ شرعية هذه الحكومة تستند إلى دستور 1959 نفسه الّذي تم اعتباره في هذه الحالة لاغيا ! إنّ إقرار مثل هذا الحل يقتضي قبول الشعب بدور جديد لهذه الحكومة تقوم فيه لا بالإعداد لانتخابات رئاسية في ظرف 60 يوما كما يقتضي ذلك دستور 1959، بل بالإعداد لانتخاب مجلس تأسيسي يضع دستورا جديدا للبلاد، بما يتطلّبه ذلك من سن قوانين وقتيّة تضعه الحكومة نفسها لضمان حصول الانتقال الديمقراطي في أفضل الظروف و على رأسها قانون انتخابي.
لا يهمّ أن ضمّت حكومة الوحدة الوطنيّة المؤقتة وجوها من التجمّع الدستوري الديمقراطي (الّذي أرى أنّه يسير في طريق الاضمحلال، إن لم يقع حلّه)، لكن الشرط الأوّل الّذي ينبغي التقيّد به في اختيارهم هو أن يكونوا ممّن يبعثون على الثقة، أي أن يكونوا من أهل الكفاءة العالية و من الشرفاء الّذين لم يعرف عنهم ضلوع في الفساد و ذلك حتّى يتوفّر الحد الأدنى من الثقة في ظلّ رفض من عدد كبير من المواطنين لأيّ حكومة يكون أعضاد الرئيس السابق طرفا فيها، و لكن الحكومة بتركيبتها الحالية تضمّ وزراء يشكّ في توفّر هذا الشرط فيهم...من المريب أن تضمّ هذه الحكومة المنصف بودن الّذي قامت مظاهرات ضدّه و اتّهم بتقديم تسهيلات للطرابلسية عندما كان مديرا عاما للجباية. من المريب أن يكون رضا قريرة وزيرا و هو الّذي يشكّ في ضلوعه في التفويت في أملاك للدولة أيّام كان وزيرا لأملاك الدولة. من المثير للشك وجود المنصر الرويسي وزيرا و هو الّذي تغاضى عن الانتهاكات العديدة لحقوق الإنسان عندما كان رئيسا للجنة العليا لحقوق الإنسان. من المريب التمسّك بأحمد فريعة وزيرا للداخلية و هو البعيد كل البعد في تكوينه و مسؤولياته السابقة عمّا يهمّ هذه الوزارة و بعد خطابه الكارثي، مع احترامي لما عرف عن الرجل من نزاهة و قيمة علميّة في ميدانه.
قد تكون هذه "التهم" باطلة و لكنّ هذا لا يهمّ الآن، بل أنّ الأوكد هو تحقيق ثقة الشارع في هذه الحكومة. من الواضح أنّ هذه الحكومة هشّة للغاية و أنّ أيّ هزّة قد تطيح بها، و مع ذلك يقع الإصرار على الاحتفاظ بهؤلاء الوزراء و كأنّ الوحدة الوطنية لا يمكن أن تتحقّق إلا بوجودهم. يضاف إلى ذلك تباطؤ الوزراء في تقديم استقالتهم من التجمّع (و عدم الإعلان إلى الآن عن استقالة كتّاب الدولة منه) في حين أنّ هذه الاستقالة مطلب أساسي لأكثر من طرف لكي يقبل بالحكومة. كما أنّه لم يتمّ تحديد ميعاد إجراء الانتخابات الرئاسيّة في حين أنّه، إذا افترضنا أنّه سيقع الالتزام بشرعيّة دستور 1959، الواجب الأوّل للرئيس المؤقّت و حكومته و أنّها يجب أن تتمّ في أجل لا يتجاوز 60 يوما.
ثمّ أنّ السياسة الإعلاميّة للحكومة لم تنجح في إبعاد الشائعات لأنّ المعلومات الّتي تقدّمها المصادر الحكوميّة غير واضحة و غير مواكبة للأحداث. على سبيل المثال، لم يتمّ الإعلان رسميّا عن ماهية العصابات الّتي أثارت الرعب في البلاد و لا عن هويّة المقبوض عليهم منها و لا عددهم. تمّ تناقل فيديو في الانترنت يرى فيه عماد الطرابلسي على قيد الحياة دون ان تؤكّد الحكومة مقتله من عدمه. لم يتمّ الحديث رسميّا عن تتبّعات أو اجراءات اتخذت ضد أفراد عائلة الطرابلسي رغم أنّه قد تمّ تناقل إيقاف بعض أفرادها. أكّد البعض عن أنّ مخزون الذهب في البنك المركزي قد نقص فعلا بطنّ و نصف و لم يفلح الإعلام الرسمي في القضاء على هذه الشائعة في ظل توفّر معلومات مغايرة على الانترنت. تمّ نقلة قاضي التحقيق الّذي عهد إليه التحقيق مع علي السرياطي إلى وظيفة أخرى دون توضيح سبب نقلته، و هو الّذي حامت شبهات حول نزاهته. لم يتمّ الإعلان عن القيام بأيّ تتبّع ضد الرئيس السابق و زوجته و أموالهما الّتي بالخارج رغم أنّ سويسرا و الاتحاد الأروبي بادرا بتجميد الحسابات الموجودة لديها.
تحيط إذن نقاط ظلّ عديدة بعمل هذه الحكومة، من واجبها تسليط الضوء عليها و إيضاحها للعموم و إلا فإنّها لن تلقى من الشارع التونسي إلا الرفض و المعارضة و هو ما سيحول دون استمرارها، و حتى إن استمرّت، سيعطّل قيامها بأعمالها.
لا شكّ في أنّ التجمّع الدستوري الديمقراطي حزب كان ينخره الفساد و أنّه قام بتجاوزات خطيرة للغاية في حق الشعب التونسي و أنّه يجب أن يقع حلّه. لكن، شئنا أم أبينا، فإنّ هذا الحزب، الّذي أخذ تسميته الحالية مع بن علي لكنّه وريث الحزب الحر الدستوري و الحزب الإشتراكي الدستوري، سيطر على الحياة السياسية في البلاد منذ أكثر من خمسين سنة و بالتالي فهو يضم في صفوف منخرطيه عددا كبيرا من الكفاءات الّتي لا يجوز اقصاؤها الآن بدعوى أنّها نشطت في صفوف الحزب. الكلّ يعلم أنّ الانضمام لهذا الحزب لم يكن اختياريّا بل مفروضا على كلّ الإطارات السامية للدولة و أنّ الخوف لا الاقتناع هو ما كان الداعي الأساسي إلى هذا الانتماء. هذا الحزب ضمّ نسبة كبيرة من الشعب التونسي (أكثر من مليوني منخرط) لا يجوز اقصاؤها بتعلّة انتمائها إليه، فالثورة جاءت لضمان حقّ جميع المواطنين في تسيير شؤون البلاد و لا ينبغي السقوط في إقصاء البعض لانتماءاتهم السياسية، على غرار ما كان سائدا في النظام السابق. الإقصاء لا يجب أن يشمل إلا من عرف عنه التواطؤ في الفساد و الممارسات المشبوهة دون غيرهم الّذين ينبغي أن تتم محاسبتهم على الجرائم الّتي اقترفوها. و السيّد محمد الغنوشي، رغم وظيفته كوزير أوّل في العهد السابق، لم يعرف عنه بتاتا أنّه كان طرفا في الفساد و هو الآن يسيّر أعمال الحكومة فقط لفترة انتقالية ينبغي انتظارها قبل الحكم له أو عليه، و الضامن الأساسي الّذي سيحمي من التجاوزات هو استفاقة الشعب و وقوفه بالمرصاد في وجه كلّ من يحاول التلاعب به . إنّ إقصاء من انتمى إلى هذا الحزب من تشكيل الحكومة يعني أنّ جميع الوزراء سيكونون ممّن يمارسون العمل الحكومي لأوّل مرّة، أي أنّهم سيكونون من غير ذوي الخبرة و لا يجب أن لا ننسى ما أدّى إليه اجتثاث حزب البعث في العراق من فراغ في أجهزة الدولة ملأته وجوه عاشت لمدّة طويلة في الخارج و لم تكن لها أيّ فكرة عن حالة البلاد و هو ما أدّى إلى شيوع الفوضى في هذا البلد.
إنّ هذه الثورة هي ثورة الشعب، الشعب و لا شيء غير الشعب دون أن يتزعمّه أيّ شخص أو حزب أو منظّمة. لم تسل دماء العشرات ليحكم فلان أو فلتان بل سالت للتخلّص من القهر و الطغيان و الفساد. لا ينبغي مصادرة هذه الثورة من قبل أيّ طرف، لا سيّما من كانوا يعيشون بالخارج منذ سنوات طويلة و انقطعت صلتهم بحياة الشعب. الآن وقع الاعتراف بجميع الأحزاب و المنظمات و بالتالي فالمجال مفتوح أمامهم للتعبير عن أفكارهم و مشاريعهم و ستكون الانتخابات، الّتي ينبغي أن تنظّم في أقرب وقت، المقياس الحقيقي لشعبيّتهم. أمّا الآن، فعلى الجميع التحلّي بالمسؤولية و الحرص على لمّ الشمل و تأطير الشعب و تحفيزه للعمل على تجاوز حالة الفوضى الحاليّة بسرعة و تحقيق الانتقال الديمقراطي. ليس هذا أوان تصفية الحسابات و الصراع على المناصب و لا ينبغي السقوط في هذه المزايدة الإعلاميّة في ظلّ وجود قنوات لا تهمّها مصلحة الشعب التونسي بقدر ما يهمها تحقيق السبق الصحفي، و بالتالي فهي تنشر كلّ خبر يردها دون تأكّد حقيقي من مدى صحّته أو تأثيره على الشعب التونسي.