الخميس، 11 مايو 2023
قطّة المكتب
الأربعاء، 17 أغسطس 2022
عندما جعلنا من "عرابنية" مطربة تونس الأولى
في أيّام مراهقتي، كنت مولعا بقراءة الجرائد. كان لكلّ يوم من الأسبوع جريدته الخاصّة به، وكان يوم الخميس مخصّصا لجريدة "الأخبار". كنت أتقصّى منها خاصة أخبار الرياضة، كما كانت تعجبني منها بعض المقالات ذات الطابع النقدي والساخر، ومنها ركن "عيون على التلفزيون" لنجيب الخويلدي.
على أنّ هذا الركن أثار حنقي ذات مرّة. كتب صاحبه طويلا في مدح أمينة فاخت، متحسّرا على أنّها لم تجد الصيت الّذي تستحقّه في العالم العربي في حين أنّ فنّانات محدودات المواهب نجحن في ذلك، مثل ماجدة الرّومي! ذهلت، وأنا الّذي لم أتجاوز السبعة عشر ربيعا آنذاك، بهذه المقارنة وقد كنت حينها في أوج افتتاني بالفنّانة اللبنانية. لم يخطر ببالي قطّ أنّ هناك من يجرؤ أن يقرن أمينة بفنّانة لها منجز فنّي مثل ذلك الّذي لماجدة الرومي، فما بالك بتفضيلها عليها! حبّرت رسالة طويلة إلى ذلك الصحفي ملخّصها فيما أذكر أنّ الأصوات الجميلة موجودة على قارعة الطريق، ولكن ما يصنع الفرق بين مغنّ وآخر هو حجم المشروع الفنّي الّذي يحمله، وبناء على هذا المقياس، فإنّ المقارنة بين مدرسة في تخيّر الكلمات وانتقاء الألحان بما يضمن دائما مستوى عاليا من الرقيّ وبين من يعيش على العرابن ولا يُنتج شيئا ليس إلّا ضربا من الخطل.
لم أرسل ما كتبته، ولعلّي كنت أشكّ في أنّه يمكن أن يغيّر شيئا. والحقيقة أنّني لم أذكر من أمر رسالتي تلك شيئا إلى حدود الآونة الأخيرة، لمّا أحيت أمينة فاخت حفلا بقفصة أثار (كما تقعل دائما) جدلا حول لباسها وحركاتها. قرأت الكثيرين ممّن يدافع عنها وعن مكانتها، وأنّ ما تفعله ليس سوى "هبال" محبّب يقبل منها في جميع الحالات باعتبارها "فنّانة كبيرة".
ما الّذي قدّمته أمينة إلى الفنّ لتستحقّ هذه المكانة؟ إن نزعنا من رصيدها الأغاني الّتي أخذتها من التراث، وتلك التي سرقتها من فنّانين تونسيين أو اقترضتها من فنّانين مشارقة، فما الّذي يبقى منه؟ حتما لا شيء ممّا يمكن أن يصنع "فنّانة كبيرة" أو حتّى فنّانة "حاف". أفهم أن يُعجب أحدهم بصوتها، أو أن تستثيره إيحاءاتها، وهو ما يمكن أن يجده في مغنيّة في كباريه، أمّا أن يزعم أكثر من ذلك، فقد ضلّ ضلالا بعيدا.
تعبّر أمينة فاخت عن عقليّة مكرّسة لدينا، تقدّس الكسل وتركن إلى التواكل وتبحث عن النجاح من أرخص أسبابه. وجدت لديها كنزا في صوتها الجميل، فلم تبحث عن استثماره وإنّما جعلته لها ريعا يدرّ عليها من مداخيل المهرجانات والأعراس ما يغنيها عن الاجتهاد والإنتاج، لا سيّما وقد "حرحرت" ذلك باللعب على إثارة الغرائز. لم يجعلها ذلك تنجح فحسب، بل ها هي منذ عشرين سنة أو أكثر وبلا إنتاج يُذكر تُعتبر لدى الكثيرين "مطربة تونس الأولى". لا أرى في ذلك سوى غوصنا في أعماق بئر لا قاع لها من الرّداءة.
الأحد، 8 أغسطس 2021
عام تحت الشمس
الجمعة، 9 يوليو 2021
ما كنتُ من الثائرين... مسارات شخصية في عشرية الثورة (الجزء الثالث)
مسألة استمراريّة الدولة
رغم ارتباك محمد الغنوشي، ساندت بقاءه على رأس الحكومة، لسبب بسيط: استمرارية الدولة. في ذلك الظرف العصيب، لم يكن هناك أيّ شيء واضح: بدا أنّ الدولة تلفظ كل مشروعية لها وكنت أفزع من أن نشهد، ولو لمدة قصيرة، اضمحلالها فنسير إلى ما يشبه السيناريو الصومالي. كان الهاجس الذي يسيطر عليّ وقتها كيف ننهي تلك المرحلة بسلام، ثم ستأتي بقية ترتيبات إرساء نظام ديمقراطي، وعلى رأسها الانتخابات.
لكن لم يكن مثل هذا الرأي يحظى بشعبية كبيرة آنذاك. قام اعتصام القصبة 1 بالأساس على المطالبة برحيل كل رموز النظام السابق، وفي الحقيقة، كان الغنوشي استبقى عددا كبيرا منهم في حكومته الأولى بعد 14 جانفي. بالنسبة لي، كان وجود أحمد نجيب الشابي والمرحوم أحمد إبراهيم في الحكومة أحد أهم الضمانات، بما أنهما كانا دائما في صفّ معارضة النظام. لم أستسغ رفض مصطفى بن جعفر المشاركة في الحكومة، ويبدو لي الآن أنّ تصدّع العائلة الديمقراطية الاجتماعية بدأ وقتها، بين اتّجاه يتبنّى مقاربة تدرّجية لا تقطع فورا مع الماضي، واتّجاه يبني مقاربته على مسايرة الشارع حتى وإن لم تعرف عنه الراديكالية سابقا.
في تلك الفترة شديدة التشنّج، كتبت ما أعتبره أجرأ مقالاتي وكان بعنوان "حتى لا تنحرف الثورة" وكان مضادا للرؤى الاستئصالية السائدة آنذاك دعوت فيه، بعد الإقرار بكلّ الفساد والانحرافات الّتي عرفها التجمع الدستوري الديمقراطي، إلى التريّث قبل الحكم على محمد الغنوشي الذي لم يعرف عنه ضلوع في الفساد، وينطبق ذلك على جميع الكفاءات التي لم يكن لها خيار فعلا في الانضمام إلى الحزب-الدولة.
لو عدت إلى تلك اللحظة، لست متأكدا أني كنت لأكتب ذلك المقال. لم أعد أؤمن بدولة لا تحترم مواطنيها، ولا يبدو أنها تسير أبدا في ذلك الاتّجاه. كانت اللحظة مناسبة لإعادة تأسيس حقيقي للعلاقة بين الدولة والمواطن، لا التأسيس الشكلاني القانوني الذي حدث مع المجلس الوطني التأسيسي.
الأربعاء، 7 يوليو 2021
ما كنتُ من الثائرين... مسارات شخصية في عشرية الثورة (الجزء الثاني)
الاثنين، 29 مارس 2021
الطريق نحو النهاية
مُرّي على بابي بذكرى مَوْلِدي
كي تُنشدي أخبار من لم يَخلُدِ
لم يبقَ منه سوى الذي تحكي شفا
هُكِ عَنه سرْدًا دون أيّ تردّدِ
ما كُنتُهُ يوما، لعلّك كُنْتِ قد
أطلَلتِ خلفَ سَحَابِيَ المُتَلبِّدِ
فرأيْتِ شيئا، ثمّ حِكْتِ غِلالة
مِنْ حوله من وَشْيِكِ المُتَفرِّد
تلك الأساطير الّتي تُضحي منا
زلنا السعيدةَ بعدَ طُول تشرُّد
قُصِّي إذا ما غِبْتُ كلّ رواية
ما قد شَهِدْتِ وكُلَّ ما لم تَشْهَدي
كمْ كان يَحْلو وَقْعُها لو أنّني
قبلَ الغيابِ حظيتُ منكِ بموعد
لا فَرْقَ عندي بين صَمْتِكِ بعدها
أو أن أصير لديكِ ثالثَ فَرْقَدِ
ما كُنتُ- لمّا كُنْتُ- غيْرَ ترحُّلٍ
مِن غُربَةٍ لِمَثيلها المُتجدِّد
عَبثًا ألاحِقُ في السَّدِيمِ منارةً
ما الفرقُ حين العتمِ إن لم أرْشُدِ؟
قد كُنْتُ أرقُب مبدأً لنُبوِّتي
كم كنتُ أرْسُفُ في جنونِ تَفَرُّدي
وكأنَّ كُلَّ الكون حولي دائرٌ
أنا قُطبُهُ، لا شأنَ إلّا سُؤدَدي
لم أخْشَ إلاّ نظرَةً نحْوَ المرا
يا لحْظةً فيها يكون تجمُّدي
لمّا أراني، ويحَ نفسي، بغتَةً
مُتَصاغرا أحكي انحناء السُجَّدِ
أغْدو على الأفكار أغْرِفُ حَفْنةً
لا أعرف
الأضدادَ في ملء اليد
كُلُّ اليَقينِ على الرّصيف مُبَعْثَرٌ
وسط الطريق أظلُّ مَحْضَ ترَّدُد
ما نِمتُ يوْمًا والعُيونُ قريرةٌ
ما تمّ لي دفءٌ على مُتَوَسَّد
في كُلّ زاويةٍ أرى لحقيقتي
شبحا يؤول إلى مَصيرِ تَبَدُّد
جمَّعتُ شِعْرًا فيه بعضُ تَنَهُدي
أضرَمْتُ فيه النار دون تَعَمُّد
نَفْثٌ لمصدورٍ تطاول داؤه
مِن فيه يخرُجُ كالحميم الأسود
أضْغاثُ أحلامٍ جَهِلْتُ نقيعها
حتّى سرَتْ في عُمْرِيَ المُتمدّد
كانت وكان مثيلها كُثُرًا إذا
ما احتاجت الأنفاسُ بعضَ تَزَوُّد
هي والنّقاء وكلّ ما يرضي العبا
د وما وراءَ شُجونِ كُلِّ مُسهَّد
الكُلُّ أصنامٌ سَعيْتُ لرِفْدِها
وجميعها بَرْقُ الزّمان السرمدي
ما بينها أفنيْتُ روحي ذاكرا
أرجو الغنيمة من طويلِ تزهُّدي
لم أحيَ يوْمًا مثلما تبغي الحيا
ة ولا وجدتُ العيشَ في مثوى غَدي
الموت أمنيةٌ يعزُّ منالها
إذ لم تكن دُنياي غير تَجَلُّد
في النّاس كُنْتُ وحدي أمّةً أو هكذا
كان الهوى في قَوْلَةٍ مِن عُوَّدي
ما زلتُ في نفسي أحاور وحدتي
حتّى هدمتُ بفأسِ شكّي معبدي
فرأيتُ شيئا في السّماء جهِلتُهُ
لوناً نبا عن كلّ قوْلٍ مُسْنَدِ
ما صار يعرِفُه سواي من الورى
هو ظِلُّ ما أنا كُنْتُ فيه بأوحَدِ
قد خُلِّطَتْ خُطُواتُ عُمْري كلها
حتّى تبدّت لي بِلَوْنٍ مُفْرَد
فيه الضّلال تفنّنٌ في مزجه
أمَّا الهدى مُتكحِّلٌ بتَمَرّد
وإذا الحياة قصيدة لا تنتهي
نَغَمٌ يحلّ على لسان المُنشِدِ