مرّت سبعون عاما تقريبا على الاستقلال، وأكثر من خمسين على قانون 1972، ولا يزال الاقتصاد التونسي يقوم على مبدأ واحد: الرخص.
يتجلّى هذا الرخص أولا في الأجور. الأجر الأدنى 528 دينارا، أي 150 أورو، عُشر ما هو معمول به في فرنسا. هناك يمكّن الأجر الأدنى من حياة كريمة، وهنا لا يكفي لتغطية أبسط الحاجات. كل زيادة تُمرّر بخوف: خوف من هروب المستثمر الأجنبي، والعياذ بالله!
يكمن الرخص أيضا في علاقتنا بالقوى المصنّعة. نحن لا نصنّع منتَجا كاملا، بل نكتفي بقطع وأسلاك. في الماضي كنّا نركّب سيارات وحافلات، أما اليوم فلا إرادة ولا سياسة لتجاوز موقع المُناولة (الذي، للمفارقة، ألغيناه داخليا).
وفي زيت الزيتون، الأمر أدهى وأمر. نحن من كبار المنتجين عالميا، لكننا لا نتمتّع به إلا بعد أن يُلبَّى طلب الخارج. والأسوأ أنه في الغالب يُصدَّر دون تعليب، لتشتريه شركات إسبانية وإيطالية وتضع أسماءها عليه. مسؤولون خرجوا لتبرير هذه السياسة، دون أن تخطر ببال أحدهم خطة لصناعة علامة تونسية تفرض نفسها.
أما السياحة، فهي الرخص يمشي على قدميه. بعض الأوروبيين يتبجّحون بأن قضاء عطلة في تونس أرخص عندهم من البقاء في بيوتهم. في المقابل، صار على المواطن التونسي أن ينفق راتب شهر كامل ليقضي نهاية أسبوع في نزل ببلده. هذا دون أن ننسى أنها قطاع هشّ لا يوفّر سوى شغلا هشّا، في مقابل بضع عملات صعبة.
هذا ليس قدرا. إنه خيار اتخذته الدولة في مرحلة مبكرة وكان من المفروض أن يكون وقتيا وأن يقع تجاوزه تدريجيا. المقابل الوحيد الممكن للرخص هو الكرامة. وما أحوجنا إلى سياسات عمومية تعيد إلينا كرامتنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق