لعلّي كنت أقلّ الناس احتفاء بها. ربّما لأنّي أنحدر من عائلة كلّ فتياتها يخشين القطط، وذلك ما دعاني إلى اتّخاذ موقف متضامن معهنّ، وإن بشكل غير واع. ربمّا يعود ذلك أيضا لأنّ لونها المائل إلى الخضرة كان يبدو لي منذ صغري، بالخطوط الداكنة التي فوقه، لونا قبيحا. كان وجودها في المكتب مزعجا لي إذ أنّها كانت تقتحمه متى شاء لها وتلتصق بالأرجل مصدرة قرقرة غريبة. دخلت مرّة مكتبي بعيد أن أنجبت، وجاءت تتمسّح على أقدامي. كنت شديد الانشغال بما أعمل عليه وغير مهتمّ بالمرّة بما تريده، فتجاهلتها تماما. بقيت هي برهة في ركن خفيّ عليّ ثم انصرفت. بعد ثوان، غزت رائحة كريهة أنفي. نظرت فرأيت بركة من السوائل والشعر وسط المكان الّذي كانت فيه. اشتدّ تقزّزي وغادرت المكان على الفور. صرت شديد النفور منها. مرّة كنت أهمّ بالدخول لمّا وجدتها وهي تحاول إيجاد منفذ إلى الداخل. اجتهدتُ حينها لكي أغلق الباب في وجهها، وكأنني أنتقم منها لفعلتها الشنيعة منذ أيّام.
لكنّها لمّا اعترضتني هذه المرّة لم تبد خوفا. وقفت أمام الباب، وتبادلنا النظرات. أدارت جسمها قليلا لكي يواجههني شقهّا الأيسر. كان المنطقة المحاذية للبطن خالية تماما من الشعر وفيها ما يُشبه آثار الجرح. كأنّ شيئا ما حاول أن يثقب جنبها نحو الخارج تاركا أثرا من بعض شعرات سوداء. لا أدري إن كان ناجما عن الولادة أو أصيبت به بعد ذلك أو كان بفعل فاعل. في كلّ الحالات، كان منظرا مؤلما. حاولت إغماض عيني عنه، ودخلت المبنى دون أن تُحوّل عنّي نظراتها، وكأنّها تشكو إليّ.
ظلّ المشهد يلاحقني كامل اليوم، مصحوبا بشعور بالغثيان. ما إن استغرق في أيّ شيء، حتّى تنفتح في خيالي نافذة عليه. كنت أحاول أن أطرده من رأسي. لا تنقصني هذه القطّة الحمقاء حتّى تضاف إلى جملة مشاغلي. لمّا بلغ اليوم نهايته، وجدتها تنتظرني أمام الباب. ألقت عليّ نفس النظرة، وقامت بنفس الحركة لتريني جرحها. كدت أصرخ فيها: ماذا تريدين منّي؟ فهمت أنّك متألّمة وأنا أرثي لحالك، أيّتها القبيحة البائسة، لكن ما عساني أفعل لك؟ لم تمهلني هي، وانسلّت مبتعدة عنّي.
حتّى في الليل، وجدت طيفها يهاجمني دون سابق إنذار. كنت أقرأ كتابا، من المفروض أنّه بعيد كلّ البعد عن القطط وعوالمها، كانت فيه فقرة عن رمزيّة القطط في مختلف الثقافات: كيف قدّسها المصريون وجعلوا من آلهتهم ما له رأس قطّة، وكيف تشاءم منها الغربيون وجعلوا من حيازة قطّة دليلا على ممارسة ضروب من السحر.
لا أدري إن كانت قطّة المكتب رمزا إلهيا أو نذير شؤم. كلّ ما أرجوه منها أن تعيد إليّ ما سرقته من نفسي.