حدّث حمدان الحفيان قال:
كنت في مجلس من مجالس العادة، في مقهى الحومة مع رفيقي حمادة، وثلّة من الشباب البطّال، كلّنا للوقت قتّال، فخضنا كباقي الشعب في حديث الانتخابات، وتعالى الجدال عمّن سينال منّا التصويتات، فإذا بشيخ جليل ينهض من كرسيّه ويأتينا، ويقف بجانبنا مستمعا رصينا، ثمّ قال: لكم منّي سلام، وعفوا إن قطعت عليكم الكلام، إنّكم تخوضون في حديث هو إليّ محبّب، فإنّي في السياسة عذيقها المحكّك وجذيلها المرجّب، فسلوني أجبكم، وعمّا خفي من أمورها أخبركم، فقلنا له: فأخبرنا بأمر هذا الأحزاب، وعن أيّها الأجدر بالانتخاب، فقال: أمّا النهضة فأخلاط ممّن يتشدّقون بالدين، وأكثرهم عن أخلاقه لمتنكبّون، لا تكاد تمسك لهم موقفا، فعن كلّ ما يقولون يجدون مصرفا، في عهدهم ذقنا الويلات، من انعدام الكفاءات، وأمّا النداء، فكرب وبلاء، فيهم جمع عظيم من غلاة الانتهازيّة، ممّن يسبّح بحمد الذات الباجية، طوال اللسان بلا حلول، وأكثرهم عن مشاغلنا جهول، وأمّا الجبهة الشعبيّة، فأهل العويل والصياح والمزايدة بمسمّى العدالة الاجتماعيّة، قلوبهم شتّى وإن حسبتهم جميعا، لا تجد فيهم على كثرتهم حازما يكون لشعبه سميعا، وأمّا المؤتمر وأبناءه الفرقاء، من تيّار ووفاء، فهم من بلغوا غاية الشعبويّة، وأقصى المتاجرة بالثوريّة، لا تكاد تجد عندهم فكرا، ولن نلقى من تعنّتهم إلّا عسرا، وأمّا التحالف، فهو على الحياد حالف، لا تجده كيفما قلّبته لا يمينا و لا يسارا، لا يمتح ماء ولا يوقد نارا، وأمّا التكتّل فهو الغراب الذي قلّد مشية الحمامة، فآل به الأمر إلى الندامة، ما عاد يجد له في الناس واثقا، ومهما تكلّم أقسم الجميع أن ليس صادقا، وأمّا الجمهوري فأطلال حزب، ما عاد يجدر به سوى الندب، قد فارقه جمع عظيم من الأبناء، وليس يُدرى أين تحمله الأنواء، وأمّا العريضة أو المحبّة أو ما كان له من أسماء، فالضحك على الذقون صباحا مساء، وأمّا حزب آفاق، فتوحّش الرأسمالية بوجه برّاق، وأمّا حزب المبادرة، ومن ادّعى مثلهم الانتماء إلى الدساترة، فهم الجسد الجديد السقيم، لظلم قديم، ولو علمنا فيهم خيرا، ما آلى أحد ألّا يموت إلاّ حرّا.
كنت في مجلس من مجالس العادة، في مقهى الحومة مع رفيقي حمادة، وثلّة من الشباب البطّال، كلّنا للوقت قتّال، فخضنا كباقي الشعب في حديث الانتخابات، وتعالى الجدال عمّن سينال منّا التصويتات، فإذا بشيخ جليل ينهض من كرسيّه ويأتينا، ويقف بجانبنا مستمعا رصينا، ثمّ قال: لكم منّي سلام، وعفوا إن قطعت عليكم الكلام، إنّكم تخوضون في حديث هو إليّ محبّب، فإنّي في السياسة عذيقها المحكّك وجذيلها المرجّب، فسلوني أجبكم، وعمّا خفي من أمورها أخبركم، فقلنا له: فأخبرنا بأمر هذا الأحزاب، وعن أيّها الأجدر بالانتخاب، فقال: أمّا النهضة فأخلاط ممّن يتشدّقون بالدين، وأكثرهم عن أخلاقه لمتنكبّون، لا تكاد تمسك لهم موقفا، فعن كلّ ما يقولون يجدون مصرفا، في عهدهم ذقنا الويلات، من انعدام الكفاءات، وأمّا النداء، فكرب وبلاء، فيهم جمع عظيم من غلاة الانتهازيّة، ممّن يسبّح بحمد الذات الباجية، طوال اللسان بلا حلول، وأكثرهم عن مشاغلنا جهول، وأمّا الجبهة الشعبيّة، فأهل العويل والصياح والمزايدة بمسمّى العدالة الاجتماعيّة، قلوبهم شتّى وإن حسبتهم جميعا، لا تجد فيهم على كثرتهم حازما يكون لشعبه سميعا، وأمّا المؤتمر وأبناءه الفرقاء، من تيّار ووفاء، فهم من بلغوا غاية الشعبويّة، وأقصى المتاجرة بالثوريّة، لا تكاد تجد عندهم فكرا، ولن نلقى من تعنّتهم إلّا عسرا، وأمّا التحالف، فهو على الحياد حالف، لا تجده كيفما قلّبته لا يمينا و لا يسارا، لا يمتح ماء ولا يوقد نارا، وأمّا التكتّل فهو الغراب الذي قلّد مشية الحمامة، فآل به الأمر إلى الندامة، ما عاد يجد له في الناس واثقا، ومهما تكلّم أقسم الجميع أن ليس صادقا، وأمّا الجمهوري فأطلال حزب، ما عاد يجدر به سوى الندب، قد فارقه جمع عظيم من الأبناء، وليس يُدرى أين تحمله الأنواء، وأمّا العريضة أو المحبّة أو ما كان له من أسماء، فالضحك على الذقون صباحا مساء، وأمّا حزب آفاق، فتوحّش الرأسمالية بوجه برّاق، وأمّا حزب المبادرة، ومن ادّعى مثلهم الانتماء إلى الدساترة، فهم الجسد الجديد السقيم، لظلم قديم، ولو علمنا فيهم خيرا، ما آلى أحد ألّا يموت إلاّ حرّا.
فعجبنا من حسن ما فصّل، ووددنا سؤاله عمّا أهمل، فقلت: فماذا عن باقي الأحزاب وعن المستقلّين، ألا نكون إن اخترنا أحدهم من الموفّقين؟ فقال: يا بنيّ لا يخلو أحدهم أن يكون أحد اثنين، لا يخلو أمرهما من الشين، إمّا طامع في الكرسيّ يتاجر بالأصوات، وإمّا ساذج حسن النيّة ستلهو برأيه الدهاة، ليس منهم غير ذلك إلّا نفر قليل لا يكادون يُعلمون، في بحور هذه اللعبة مدفونون، قلت: فإنّ الجماعة ينصحون بالتصويت المفيد، الذي يورد البلد إلى الطريق الرشيد، فما تقول في ذلك يا صاحب الرأي السديد؟ فغضب وصاح فيّ: كأنّك لم تكن تسمع ما كنت أقول، أيّها الغرّ المخبول، والّذي نفسي بيده لا يفيدكم منهم أحد، وكلّ ما يعدونكم هو من البحر كالزبد، وولّى مدبرا وهو يقول:
كلّهم يمشي رُويدْ...كلّهم خاتل صيدْ