في مسرحيّة المحطّة الّتي عرضت ببيروت سنة 1973، تقوم فيروز بدور فتاة تأتي إلى حقل و تزعم أنّ هناك محطّة مطمورة تحته و أنّ القطار سيصل إليها فيسرع الناس لاقتناء التذاكر و لكن بعد مرور فترة طويلة دون أن يظهر للقطار المزعوم أيّ أثر يفقدون ثقتهم في الفتاة و يأتي رجال الشرطة للقبض عليها لنشرها أنباء كاذبة و لكنّها لا تفقد لحظة إيمانها بنفسها و تؤدّي أغنية هي أقرب من أن تكون ترتيلا:
إيماني ساطع يا بحر الليل
إيماني الشمس المدى و الليل
لا بيتكسر إيماني
و لا بيتعب إيماني..
و فجأة يظهر القطار
تذكّرت هذه الأغنية عندما قرأت التدوينة الأخيرة لبيل سون و خصوصا عبارتها الختاميّة: "إذا أردت أن يقدّرك الناس فعليك أن تبدأ بتقدير نفسك"، و لعلّ هذه الجملة تلخّص وضعنا الحالي و مآلنا أيضا...
لماذا لم نتقدّم ؟ هذا السؤال العويص الّذي نطرحه على أنفسنا منذ عدّة قرون قد يكون جوابه بسيطا للغاية: لأنّنا لا نؤمن في قرارة نفوسنا أنّنا نستطيع التقدّم و هذا الإيمان هو الخطوة الأولى لتحقيق أيّ نهضة. في بلداننا الناس يعيشون لمجرّد العيش و لا يهمّهم كثيرا التفكير في أسباب تخلّفهم و إذا عنّ لأحدهم أن يفكّر و يحاول أن يبدع و يجد وسيلة للتغيير فإنّ ردّ الفعل هو ضحكات سخريّة و سؤال تهكّمي: "من تظنّ نفسك؟" لأنّ كلّ محاولة للخروج من النواميس الاجتماعيّة الّتي تحدّد حياة الفرد منذ ميلاده حتّى وفاته مرفوضة مسبّقا من كلّ المحيطين به و كأنّ الفرد يتحدّى القدر المرسوم في اللوح المحفوظ إذا فكّر لمجرّد لحظة في تغيير مجرى حياته. لذلك فإنّ الهجرة إلى الغرب هي الحلم الكبير الّذي يدغدغ أفئدة كلّ الشباب و كيف لا و هو يعلم أنّ الإبداع هناك غير معاقب عليه و أنّه يمكن له أن يحلم كما يريد و أن يسعى لتحقيق أحلامه الّتي تبدو تافهة لأبناء وطنه دون أن يتّهم بالجنون...
و قد وصل انعدام الإيمان في أنفسنا إلى درجة جعلتنا نشككّ في هويّتنا و ننكر عروبتنا و نتنكر لإسلامنا ونطالب بهويّة مستوردة لكي نتقدّم و أحسب أنّ أصحاب مثل هذه المقولات هم من بلغ منهم اليأس من هذا الشعب حدّا جعلهم يرون أنّ لكي يتقدّم فعليه أن ينقلب شعبا آخر و بعبارة أخرى فعليه أن يقتل نفسه كي يمكنه أن يتدرّج في سلّم الحداثة، و يرحم الله محمّد فاضل الجمّالي لمّا سئل إن كانت اللغة العربية تصلح للتدريس الجامعي فأجاب:"إنّه لما يحزّ في النفس ...أن يوجّه إلى عربي سؤال بهذه الصيغة و كان الأجدر أن يكون السؤال: هل يصلح العرب للبقاء في هذا العصر أم هم أجدر بالفناء؟".
أعتقد أنّه مهما رسمنا من مخطّطات دقيقة و مهما اخترنا من إيديولوجيات مغرية و مهما استوردنا من وسائل حديثة فأنّ كلّ هذا المجهود سيذهب هباء منثورا إذا كنّا نعتقد أنّنا بشر من درجة ثانية، من درجة وضيعة محكوم علينا أن نعيش ما عشنا قانعين مستهلكين نهذي بتقديس أجداد لنا بنوا حضارة عظيمة أو حتّى أسلاف أقرب من ذلك فنتحسّر على زمن الفنّ الجميل و زمن الزعماء الكبار( المفارقة أنّ هؤلاء الزعماء هم من صنعوا النكسة!) و نكرّر إلى حدّ الملل هذه الاسطوانة أو ننظر إلى الغرب المتقدّم الراقي نظرة المتأمّل في الشمس حتّى يعمى، و بين الأسلاف العظام و" الجيران" العظام نسترق اللحظ أحيانا إلى أنفسنا و نقارنها بهم فنجد أنفسنا نفاية أمامهم على أحسن تقدير إن لم نكن عدما فنرتعب و نكره أنفسنا . هذه هي النظرة الّتي نحملها عن أنفسنا و هذه هي النظرة الّتي منعت تقدّمنا و ستظلّ تمنعه، و هذه هي النظرة الّتي يجب أن تمحى من صدورنا و تجتثّ من جذورها و يعوّضها في النفوس "إيمان ساطع" بقدرتنا على أن نغيّر واقعنا و نتحكّم في مصيرنا و هو ما يستدعي النظر قبل كلّ شيء في جذور هذه النظرة ، الشيء الّذي يستوجب عملا أكثر تعمّقا و تفصيلا من هذه التدوينة "البرقيّة" التمهيديّة...
إيماني ساطع يا بحر الليل
إيماني الشمس المدى و الليل
لا بيتكسر إيماني
و لا بيتعب إيماني..
و فجأة يظهر القطار
تذكّرت هذه الأغنية عندما قرأت التدوينة الأخيرة لبيل سون و خصوصا عبارتها الختاميّة: "إذا أردت أن يقدّرك الناس فعليك أن تبدأ بتقدير نفسك"، و لعلّ هذه الجملة تلخّص وضعنا الحالي و مآلنا أيضا...
لماذا لم نتقدّم ؟ هذا السؤال العويص الّذي نطرحه على أنفسنا منذ عدّة قرون قد يكون جوابه بسيطا للغاية: لأنّنا لا نؤمن في قرارة نفوسنا أنّنا نستطيع التقدّم و هذا الإيمان هو الخطوة الأولى لتحقيق أيّ نهضة. في بلداننا الناس يعيشون لمجرّد العيش و لا يهمّهم كثيرا التفكير في أسباب تخلّفهم و إذا عنّ لأحدهم أن يفكّر و يحاول أن يبدع و يجد وسيلة للتغيير فإنّ ردّ الفعل هو ضحكات سخريّة و سؤال تهكّمي: "من تظنّ نفسك؟" لأنّ كلّ محاولة للخروج من النواميس الاجتماعيّة الّتي تحدّد حياة الفرد منذ ميلاده حتّى وفاته مرفوضة مسبّقا من كلّ المحيطين به و كأنّ الفرد يتحدّى القدر المرسوم في اللوح المحفوظ إذا فكّر لمجرّد لحظة في تغيير مجرى حياته. لذلك فإنّ الهجرة إلى الغرب هي الحلم الكبير الّذي يدغدغ أفئدة كلّ الشباب و كيف لا و هو يعلم أنّ الإبداع هناك غير معاقب عليه و أنّه يمكن له أن يحلم كما يريد و أن يسعى لتحقيق أحلامه الّتي تبدو تافهة لأبناء وطنه دون أن يتّهم بالجنون...
و قد وصل انعدام الإيمان في أنفسنا إلى درجة جعلتنا نشككّ في هويّتنا و ننكر عروبتنا و نتنكر لإسلامنا ونطالب بهويّة مستوردة لكي نتقدّم و أحسب أنّ أصحاب مثل هذه المقولات هم من بلغ منهم اليأس من هذا الشعب حدّا جعلهم يرون أنّ لكي يتقدّم فعليه أن ينقلب شعبا آخر و بعبارة أخرى فعليه أن يقتل نفسه كي يمكنه أن يتدرّج في سلّم الحداثة، و يرحم الله محمّد فاضل الجمّالي لمّا سئل إن كانت اللغة العربية تصلح للتدريس الجامعي فأجاب:"إنّه لما يحزّ في النفس ...أن يوجّه إلى عربي سؤال بهذه الصيغة و كان الأجدر أن يكون السؤال: هل يصلح العرب للبقاء في هذا العصر أم هم أجدر بالفناء؟".
أعتقد أنّه مهما رسمنا من مخطّطات دقيقة و مهما اخترنا من إيديولوجيات مغرية و مهما استوردنا من وسائل حديثة فأنّ كلّ هذا المجهود سيذهب هباء منثورا إذا كنّا نعتقد أنّنا بشر من درجة ثانية، من درجة وضيعة محكوم علينا أن نعيش ما عشنا قانعين مستهلكين نهذي بتقديس أجداد لنا بنوا حضارة عظيمة أو حتّى أسلاف أقرب من ذلك فنتحسّر على زمن الفنّ الجميل و زمن الزعماء الكبار( المفارقة أنّ هؤلاء الزعماء هم من صنعوا النكسة!) و نكرّر إلى حدّ الملل هذه الاسطوانة أو ننظر إلى الغرب المتقدّم الراقي نظرة المتأمّل في الشمس حتّى يعمى، و بين الأسلاف العظام و" الجيران" العظام نسترق اللحظ أحيانا إلى أنفسنا و نقارنها بهم فنجد أنفسنا نفاية أمامهم على أحسن تقدير إن لم نكن عدما فنرتعب و نكره أنفسنا . هذه هي النظرة الّتي نحملها عن أنفسنا و هذه هي النظرة الّتي منعت تقدّمنا و ستظلّ تمنعه، و هذه هي النظرة الّتي يجب أن تمحى من صدورنا و تجتثّ من جذورها و يعوّضها في النفوس "إيمان ساطع" بقدرتنا على أن نغيّر واقعنا و نتحكّم في مصيرنا و هو ما يستدعي النظر قبل كلّ شيء في جذور هذه النظرة ، الشيء الّذي يستوجب عملا أكثر تعمّقا و تفصيلا من هذه التدوينة "البرقيّة" التمهيديّة...